أمّا الأوّل ، فظاهر.
وأمّا الثاني ، فلأنّ الحكم بإتيان بعض المحتملات التي لم يأت بها المكلّف ممّا لا يترتّب على بقاء الاشتغال ؛ إذ غاية ما يفيده الاستصحاب هو بقاء الاشتغال ، ومقتضاه الإتيان بالمكلّف به واقعا ، ولا يزيد على ذلك كما إذا كان الاشتغال في أوّل الأمر قطعيا ، فإنّ الاستصحاب إنّما يوجب تنزيل المشكوك فيه منزلة المقطوع به ، ومن المعلوم أنّ الاشتغال القطعي لا يقضي (١) بالإتيان بالمحتملات لا في أوّل الأمر ولا في الأثناء إلاّ بعد انضمام مقدّمة خارجية هي (٢) حكم العقل بتفريغ الذمّة عند العلم بالاشتغال وعدم العلم بالفراغ والشكّ في البراءة ، فالاشتغال الثابت بحكم الاستصحاب كيف يعقل اقتضاؤه للإتيان بالمحتملات مع كونه منزّلا منزلة الواقع؟!
اللهمّ إلاّ أن يقال في المثال المذكور : استصحاب بقاء الاشتغال مثبت لكون الباقي من الجهات المحتملة هي (٣) القبلة ، وهو ـ كما ترى ـ بمكان من الوهن والضعف سيّما إذا كان الجهة الغير المأتيّ بها متعدّدة ، فإنّ الأمر بالعكس إذ احتمال كون الباقية قبلة واقعية (٤) يقضي بإتيانها لا أنّها قبلة واقعية ، فيجب إتيان الصلاة فيها كما لا يخفى.
فظهر ممّا مرّ أنّ استصحاب الاشتغال يجري فيما لا يجري فيه قاعدة الاشتغال والاحتياط ، وما يجري فيه الاشتغال وقاعدة الاحتياط لا يجري فيه الاستصحاب.
وما عسى يتوهّم ـ من تمسّك بعضهم باستصحاب الاشتغال كالمحقّق (٥) في المتيمّم الواجد للماء في أثناء الصلاة حيث أفاد أنّ استصحاب الصحّة يعارضه استصحاب الاشتغال ـ فإنّما هو مبنيّ على مجرّد المناقشة في الدليل وأمثاله ، وإلاّ فكيف يعقل التمسّك به مع وضوح فساده وظهور كساده من جهة أخرى أيضا؟ وهو عدم مقاومة استصحاب الاشتغال باستصحاب الصحّة لكونه واردا عليه ورود الاجتهادي على
__________________
(١) « ج » : لا يقتضي.
(٢) « خ ل » بهامش « س » : بل.
(٣) « ج ، س » : هو.
(٤) « س » : ـ واقعية.
(٥) معارج الأصول : ٢٨٩ ذكره في عداد أدلّة المانعين ثمّ أجاب عنه.