أمّا الكلام في المورد الأوّل من المقام الأوّل الباحث فيه عن جواز المخالفة القطعية وعدمها بعد العلم الإجمالي ، فاعلم أنّ الإجمال إمّا في نفس التكليف ـ كدوران الأمر بين الواجب والحرام أو المستحبّ أو المكروه ، وكلّ واحد منها مع الآخر وغيرها من صور الدوران ـ أو في موضوع التكليف بعد العلم به كالواجب المردّد بين الظهر والجمعة ، أو فيهما معا.
ثمّ العلم الإجمالي تارة يتعلّق بالحكم الشرعي الكلّي كالأمثلة المتقدّمة ، وأخرى يتعلّق بموضوعاته (١) الخارجية كما في الشبهة المحصورة واشتباه جهة القبلة أو اشتباه المرأة المنذور وطؤها بالأجنبية إلى غير ذلك ، أو في نفس المكلّف ، فتارة من جهة دوران موضوع ـ كالجنابة ـ بينه وبين غيره ، وأخرى من جهة دورانه بين موضوعين كالخنثى المردّد بين موضوعي الذكورة والأنوثة. وقبل الخوض في بيان أحكامها ، فلنذكر أمرين :
أحدهما : أنّ الكلام في المقام وجودا وعدما إنّما هو من جهة أنّ العلم الإجمالي هل هو طريق إجمالي إلى الواقع ، أو لا؟ كما أنّ العلم التفصيلي طريق تفصيلي (٢) إليه ، فكما أنّ الأحكام الثابتة بواسطة عللها الواقعية تترتّب على متعلّقاتها عند العلم التفصيلي ، فهل تترتّب تلك الأحكام على موضوعاتها عند العلم الإجمالي ، أو لا؟ وأمّا من جهة الموضوعية ، فلا يتعلّق غرض بالبحث عنه ، لعدم دخولها تحت ضابطة وقاعدة.
وثانيهما : أنّه لا ريب في أنّه إذا تولّد من (٣) العلم الإجمالي في واقعة علم تفصيلي في واقعة أخرى فهو ممّا لا مناص عن العمل به في محلّه ، فكأنّه هو خارج عمّا نحن فيه ؛ لما تقدّم من أنّه معتبر بنفسه لا يحتاج إلى جعل ، والذاتي لا يتخلّف ولا يختلف ، فلو لاقى ثوبه لكلّ من الإناءين فيما إذا علم بنجاسة أحدهما إجمالا ، يجب الاجتناب عنه ،
__________________
(١) « ل » : بموضوعات.
(٢) « ل » : ـ طريق تفصيلي.
(٣) « ل » : عن.