ترجيح جانب الحرمة؟ قد يقال بالثاني لوجوه :
أحدها : الاستقراء وبيان ذلك أنّا تتبّعنا الموارد التي اجتمع فيها الوجوب والحرمة كالعبادة للحائض في أيّام استظهاره وعبادة المبتدأة والإناء المشتبه فوجدنا الشارع قد حكم فيها بغلبة جانب الحرمة على الوجوب ، وهذا يوجب العلم ولا أقلّ من الظنّ بأنّ مبنى الشرعيات على غلبة (١) جهة الحرمة على جهة الوجوب واعلم أنّه يمكن الفرق بين الغلبة المدّعى بها في كلامهم والاستقراء بأنّ الغلبة لا بدّ في تحقّقها من أن يكون هناك فرد نادر بخلاف الأفراد الغالبة ، ولا يجب ذلك في الاستقراء إذ قد لا يكون هناك (٢) فرد نادر ؛ بل قد يقال بوجوب عدمه كما لا يخفى.
وثانيها : قاعدة الاشتغال ، وبيانها أنّ الأمر في المقام دائر بين التعيين والتخيير بين الحرام والواجب ، فلو أخذنا بالتعيين ـ وهو الحكم بالحرمة فقط ـ قطعنا بالامتثال بخلاف ما لو أخذنا (٣) بالتخيير إذ يحتمل أن يكون المطلوب هو التعيين فهو القدر المتيقّن ، ولا بدّ من الأخذ به ليرتفع العلم بالاشتغال.
وثالثها : أنّ مبنى الأمر والوجوب على إحراز المصلحة وجلب المنفعة ووجه النهي والحرمة على نفي المفسدة ودفع المضرّة ، والعقل بصرافته لو دار الأمر بين جلب المنفعة ودفع المضرّة ربّما يحكم بأولويّة الثاني من الأوّل.
لا يقال : قد يكون المنفعة كثيرة والمضرّة قليلة ، فكيف ينافي الحكم بالأولوية (٤) على إطلاقها.
لأنّا نقول : لو علمنا بذلك صحّ ما ذكر ، وإلاّ فاحتمال الكثرة في كلّ منهما سواء ، والكلام في أولوية دفع المضرّة من جلب المنفعة لو جرّدا عن جميع ما يمكن احتفافهما به.
__________________
(١) « س » : ظنّية!
(٢) « س » : ـ هناك.
(٣) « م » : أخذ.
(٤) سقط قوله : « من الأوّل لا يقال ... » إلى هنا من « ج ».