وثالثها : لزوم محذور عدم الالتزام بشيء من الحكمين على تقديره ، بيان ذلك أنّا قلنا بوجوب الالتزام بالأحكام الشرعية حذرا من المخالفة القطعية وترك الاعتناء بأوامر الشارع وعدم المبالاة بأحكامه ، وهذا هو بعينه موجود في التخيير الاستمراري ، غاية الأمر (١) استناد عمله في كلّ وقت إلى قصده الالتزام بأحد الحكمين على حسب اختلاف دواعيه النفسانية وذلك يقرب من الهرج والمرج بل وهذا مفوّت للّطف الباعث على التكليف.
وفي الكلّ نظر : أمّا في الأوّل ، فلما عرفت آنفا (٢) من عدم جواز الاتّكال بالاشتغال في الأحكام العقلية إذ العقل بعد موجود ، ولا بدّ من الرجوع إلى كيفية حكمه من أوّل الأمر ، ولو سلّم فاستصحاب التخيير في المسألة الأصولية دليل اجتهادي بالنسبة إلى قاعدة الاشتغال وإن كنّا لا نعوّل عليه أيضا من الجهة المذكورة.
وأمّا في الثاني فلهذين الوجهين بعينهما.
وأمّا في الثالث ، فلأنّ للمكلّف أن يدخل نفسه في عناوين مختلفة على وجه يختلف الأحكام بحسب اختلافها كما أنّا تارة نقيم (٣) في بلد ، ونسافر أخرى ، فربّما يختلف العنوان باختلاف يسير ، فالمكلّف في الحقيقة إنّما يوجد أسباب التكليف ولا غائلة فيه ، ويكفي في المبالاة بالأحكام (٤) الشرعية استناد العمل بعد الاختيار إلى الحكم الشرعي ، وهذا هو عين المبالاة والاعتناء واللطف كما لا يخفى.
والتحقيق أنّ مدرك التخيير لو كان دليلا شرعيا كأخبار التخيير في الأخبار المتعارضة ، فلا يبعد القول بالتخيير الاستمراري نظرا إلى استصحاب التخيير ، ووروده على استصحاب الأحكام (٥) الشرعية في المسائل الفرعية إلاّ أنّ المحقّق في مقامه عدم جواز التعويل على مثل هذا الاستصحاب لأنّ شرط جواز التعويل عليه
__________________
(١) « س » : ـ الأمر.
(٢) « س » : « أوّلا » عرفت في الصفحة السابقة.
(٣) « م » : نقيم تارة.
(٤) « ج » : في الأحكام.
(٥) « م » : أحكام!