ترك قراءة الدعاء عند الاستهلال مثلا ، أو الأخروي فيما لا يرجع إلى العقاب على التكاليف الواقعية وإن كان بواسطة مخالفة حكم العقل ، وهذا هو الذي نبّهنا عليه في الشبهة الوجوبية ووعدنا توضيحه لك في هذا المقام (١).
فاعلم : أنّ جملة من الأعاظم قد تصدّوا لدفع الإشكال إلاّ أنّهم بعد لم يأتوا بشيء يشفي العليل ، ويروي الغليل ، فمن ذلك ما أفاده بعضهم من منع حكم العقل بدفع الضرر ولو احتمالا مرجوحا أو مساويا ، غاية الأمر لزوم دفع المظنون منه ، وزاد بعضهم على ذلك ، فمنع من وجوب دفعه شرعا أيضا نظرا إلى منع الملازمة بينهما بل إنّما هو حكم عقلي صرف لا يمازجه شوب الشرع ، فلا يثبت به الحكم الشرعي ووجوب الاحتياط.
وحكي عن المحقّق الوحيد البهبهاني الأستاذ الأكبر في رسالته المعمولة في البراءة والاحتياط (٢) أنّ (٣) حكم العقل بلزوم دفع الضرر إنّما هو مجرّد إرشاد من العقل وإراءة طريق لنا لا يصل حدّا يوجب العقوبة على تقدير المخالفة ، فالعقل يحكم بالاحتياط ودفع الضرر حذرا من وقوعه فيه لا أنّه عنوان يحكم العقل بحرمته في نفسه على وجه يستوجب المخالف للذمّ كما في الظلم ونحوه ، والكلّ كما ترى بسقوط (٤) الأوّل ؛ لقضاء (٥) الضرورة بخلافه ، والثاني بما مرّ فيما سبق من تحقّق (٦) الملازمة الواقعية بين العقل والشرع ، وكيف لا وهو خالق العقل؟
وأمّا الثالث ، فبعد الإغماض عن مخالفته لما في الوجدان ، فهو هدم لما أسّسه (٧) أكابر المتكلّمين من وجوبه على الوجه المزبور ، وكيف وهذا هو المبنى لأسّ مسائل الربوبية
__________________
(١) نبّه عليه في ص ٣٤٥.
(٢) الرسائل الأصولية ( رسالة البراءة ) : ٣٥٠ ـ ٣٥٢.
(٣) « ج » : بأنّ.
(٤) « س » : لسقوط.
(٥) « ج » : بقضاء.
(٦) « م » : تحقيق.
(٧) « ج » : استند.