على ما تقرّر (١) سابقا بتبعية (٢) الأحكام للحسن والقبح وهما من صفات العناوين اللاحقة لذوات الأفعال اختيارا ، والفعل بعنوانه المأمور به لا يصير اختياريا إلاّ بعد العلم به وقصده إمّا تفصيلا أو إجمالا ، وحيث لا علم فلا اختيار فلا تكليف ، وذلك ظاهر ، ولذلك قد حكموا بعدم بطلان الصوم فيما لو أكل الصائم ناسيا مع كون الأكل مختارا عامدا فيه وقاصدا له ، فإنّ وقوع ذات الفعل ـ ولو بعنوان غير ما هو المعتبر في عنوان الحكم ـ لا يكفي في صدق العنوان الذي هو المناط في ثبوت الحكم ، فالأكل بعنوان أنّه مفطر لو وقع من المكلّف بأن يعلم به ويقصده مبطل للصوم وموجب للقضاء مثلا بخلاف سائر وجوه الأكل وذلك ظاهر.
والحاصل : أنّ التكليف في الصورة المفروضة منفيّ لانتفاء شرطه وهو تمكّن المكلّف من الامتثال ، وليس هذا من أصل البراءة في شيء فإنّ أصالة البراءة تنفي تنجّز التكليف مع إمكان أصل التكليف في الواقع شأنا كما في الصورة الأولى بخلاف المقام فإنّ قضية عدم إمكان الامتثال عدم التكليف في الواقع كما في غير البالغ والعاجز.
فإن قلت : لا فرق بين الصورتين في عدم إمكان قصد الامتثال للمكلّف كما عرفت في وجه الاستدلال بالبراءة فإنّ التكليف بما لا يطاق ـ على ما استدلّه البعض ـ ممّا لا وجه له إلاّ من حيث عدم إمكان قصد الامتثال للمكلّف فعلى هذا فلا بدّ إمّا من القول بأنّ الصورة الأولى أيضا ممّا يمكن به (٣) التكليف لاشتراطه بإمكان قصد الامتثال بل وفي مطلق موارد البراءة ، وإمّا القول بجريان البراءة في الصورة المفروضة أيضا ، فلا وجه لتغيير الأسلوب في الاستدلال.
قلت : فرق ظاهر بين المقامين وبين الموردين فإنّ الشكّ في الأوّل إنّما هو في
__________________
(١) « م » : يقرّر.
(٢) « س » : تبعية.
(٣) « س ، م » : ـ به.