التكليف بعد إمكان توجيه الخطاب ولو شأنا على تقدير (١) لم يكن الفرد الممتنع هو الواقع فإنّ العلم وإن كان من شروط التكليف إلاّ أنّه بعدمه لا يتغيّر عنوان التكليف لما تقرّر من أنّ العلم والجهل ليسا من الوجوه المغيّرة للأحكام بخلاف سائر شرائط التكليف كالعجز والقدرة والبلوغ والصباوة فإنّ الموضوع فيها مختلف كما لا يخفى ، وفي الثاني يمتنع تعلّق التكليف الواقعي لامتناع شرطه وهو القصد إلى الفعل المأمور به على وجه يكون الداعي هو الأمر ، وهذا وإن كان موجودا في الأوّل أيضا إلاّ أنّه إنّما امتنع بواسطة الجهل بالتكليف ، وفي المقام امتنع التكليف لامتناع القصد ، فعدم إمكان القصد في الأوّل متفرّع على عدم العلم بالتكليف ، وعدم التكليف في الثاني متفرّع على امتناع القصد ، والفرق ظاهر بين المقامين ، ومحصّل الفرق أنّ الصورة الأولى مع عدم العلم بوجود المكلّف به في مقدوراته يصحّ التكليف على تقدير وجوده فيها شأنا إلاّ أنّ عدم العلم به عذر في مقام الظاهر ، والصورة الثانية مع العلم بوجود المكلّف به في الاحتمالات التي أحدها غير مقدور للمكلّف لا يصحّ التكليف لتردّدها بين الواقع وعدمه ، فالجهات الممكنة لا يعلم بإمكانها ومقدوريتها ، إلاّ بعد وقوعها وصدورها منه وبعد الوقوع لو حصل الواقع ، فلم يكن المكلّف مختارا في صدوره مريدا عنوان الفعل ولو إجمالا ، فتدبّر في المقام ، كي لا يشتبه عليك المرام هذا.
وقد يقال : إنّ التكليف الواقعي المتعلّق بالموضوع الواقعي وإن امتنع تعلّقه بالمكلّف في حال عدم العلم بقدرته للمكلّف به إلاّ أنّه يمكن استفادة مطلوبية الفعل ومحبوبيته في نفسه وإن لم يكن الطلب متعلّقا به من وجوه خارجة كقوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) وأمثال ذلك من الأمور التي يمكن استفادة أمثال ذلك منه كما لا يخفى على المتدرّب (٣) في فنون الاستنباطات من وجوه الأدلّة.
__________________
(١) « ج » : ـ على تقدير.
(٢) سيأتي البحث عنه في ص ٥٦١.
(٣) « ج » : المتدبّر.