الثالث : أنّ المكلّف لا يتوجّه إليه الخطاب مطلقا في جميع حالاته بل المكلّف العالم يجب عليه الاجتناب.
ولا وجه للكلّ.
أمّا الأوّل ، فقد عرفت.
وأمّا الثاني ، فلأنّ دعوى وضع الألفاظ للمعاني المعلومة على أن يكون العلم معتبرا في الموضوع له سخيفة جدّا لا يكاد يلتزم بها العاقل.
ودعوى تبادر المعلومات منها وهم في خلط ؛ لاشتباه (١) العلم المرآتي بالعلم الموضوعي عنده إذ المعنى لا يتبادر إلاّ أن يكون معلوما حاضرا عند العالم على وجه يكون العلم مرآة للواقع ، ولا دخل في هذا العلم في معنى اللفظ.
ودعوى الانصراف إلى المعلومات وإن لم تكن في حيّز الطلب والتكليف مبنيّة على الخلط المختلط بالوهم المذكور.
وأمّا دعوى الانصراف في حيّز التكاليف ، فلو (٢) كانت القرينة المقتضية لذلك نقلية ، فعهدتها على مدّعيها إذ لم نجد إلى الآن في الأدلّة النقلية ما يقضي (٣) بذلك ، وإن كانت عقلية ، فنحن كلّما راجعنا وجداننا مرّة بعد أولى وعهدنا إلى عقولنا كرّة بعد أخرى لا نجد فيها ما يقتضي التصرّف في مدلول الخطاب بل غاية ما هناك أنّ العقل يحكم بأنّ المكلّف في تكليفه لا بدّ له من حامل على التكليف والطلب ، وقبل علم المكلّف بالخطاب لا حامل له ، فليس في العقل ما يقضي باعتبار العلم في معنى اللفظ فإنّ الخطاب وإرادة المولى أو كراهته ـ التي يعبّر عنهما تارة بالطلب ، وأخرى بالأمر والنهي ـ متساوية النسبة إلى العالم والجاهل فإنّ ما للطالب دخل فيه قد تمّ ، ولا ينشأ بعد العلم من الطالب والمولى طلب آخر وإرادة أخرى وإن لم يكن المكلّف عند الجهل
__________________
(١) « ج » : الاشتباه.
(٢) « ج ، م » : فإن.
(٣) « ج » : يقتضي.