الخمر اتّفاقا ، ولا يتّصف الفعل الاتّفاقي الخارج عن مقدرة المكلّف من حيث هو اتّفاقي بالحسن والقبح باتّفاق من القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين ، فلا يتعلّق به الحكم الشرعي وهو التحريم ، فيجوز ارتكابه ، وهكذا كلّ واحد من الإناءات المشتبهة فيجوز المخالفة القطعية.
قلت : لا خفاء في أنّ المطلوب بالأمر هو نفس الفعل ، وفي النهي (١) هو ترك الفعل وعدم إيجاده ، فالمكلّف به في الأوّل هو الفعل ، وفي الثاني (٢) هو الترك ، ولا بدّ أن يكون المكلّف به (٣) مقدورا للمكلّف ، اختياريا ، مقصودا له ففي الأمر لا بدّ أن يكون الفعل اختياريا ، وفي النهي لا بدّ أن يكون الترك اختياريا بمعنى أن يكون ترك شرب الخمر مقصودا في النهي ، وفعل الصلاة مقصودا في الأمر ، فالقصد قيد للترك لا للمتروك (٤) ، فالمقصود للمكلّف لا بدّ أن يكون هو الترك ، وترك شرب الخمر إذا كان مقصودا لا يتحقّق إلاّ عند ترك جميع الأفراد المحتملة ، وإلاّ لم يكن قاصدا للترك والمفروض اعتبار تعلّق القصد به.
وبالجملة ، متعلّق التكليف لا بدّ أن يكون فعلا اختياريا مقصودا للمكلّف ، والتكليف تارة هو الأمر ، وأخرى هو النهي ، وفي الأوّل لا بدّ أن يكون المكلّف قاصدا للفعل ، وفي الثاني لا بدّ أن يكون قاصدا للترك حتّى يحصل الامتثال وإذا كان المكلّف قاصدا لا بدّ له من عدم الارتكاب ، وإلاّ لم يكن قاصدا للترك وهذا خلف.
فإن قلت : إنّ المستفاد من الأخبار الدالّة على رفع الحكم عند الاشتباه هو أنّ المحرّم ارتكاب الحرام قصدا وعمدا إليه ، فلا يجب الاجتناب من الخمر المردّد عند عدم القصد إلى عنوانه.
__________________
(١) « م » : ـ النهي ، وفي « س » : « ما » بدل : « النهي »!
(٢) « م » : النهي.
(٣) سقط قوله : « في الأوّل هو الفعل » إلى هنا من نسخة « س ».
(٤) « ج ، س » : للتروك!