وعلى تقدير الدلالة فإمّا أن يقال بدلالتها على جواز ارتكاب الجميع (١) ، أو البعض معيّنا ، أو غير معيّن ، فعلى الأوّل لا وجه للتخصيص بالبعض ، وعلى الثاني فهو ترجيح بلا مرجّح ، وعلى الثالث لا دلالة فيها عليه لأنّ الأفراد الانتزاعية الاعتبارية ليست داخلة في العامّ ، والفرد الغير المعيّن ـ كما هو مفاد أحدهما ـ فرد اعتباري انتزاعي ، وذلك نظير ما ستطّلع عليه في بحث التعارض حيث زعم بعضهم أنّ أحد الخبرين لا بعينه مندرج في الأدلّة الدالّة على حجّية الخبر بعد زعمه لعدم شمولها لهما ولأحدهما معيّنا ، لمكان التعارض ولزوم الترجيح بلا مرجّح فإنّ من الظاهر أنّ بعد ما قد اعترف بعدم (٢) شمولها للخبرين ولواحد معيّن منهما لا وجه للشمول على هذا الوجه لأنّ أحدها ليس إلاّ فردا انتزاعيا ، ولا مدخل للعامّ فيه ، فليتأمّل (٣).
فإن قلت : إنّ قوله : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه » (٤) يدلّ (٥) على أنّ الشارع لم يرد الامتثال في صورة الاشتباه على وجه يعمّ الصورة المفروضة مع وجود العلم الإجمالي ، فبالحقيقة مرجع التعارض إلى الحكومة كما في أخبار الضرر وأدلّة العسر ونحو ذلك فإنّها حاكمة على سائر الشرعيات : وضعياتها وتكليفياتها ، فقوله : « اجتنب عن الخمر » مقتضى إطلاقه وشموله للعالم والجاهل سواء (٦) سواء كان علمه تفصيليا أو إجماليا بعد العلم به وبوجود (٧) المكلّف به ، وهذا أمر ظاهر إلاّ أنّ الخبر المذكور يدلّ على أنّ الشارع قيّد المطلوب بهذا الأمر بما لو حصل للمكلّف علم تفصيلي بالمكلّف به وبالتكليف كما أنّ مقتضى قوله : « صلّ » شموله لصورة يلزم فيها العسر وغيرها.
__________________
(١) « ج » : الكلّ.
(٢) « س ، م » : لعدم ( ظ ).
(٣) « م » : فتأمّل ، « ج » : فلتأمّل.
(٤) تقدّم في ص ٣٥٩.
(٥) « س ، م » : ـ يدلّ.
(٦) « م » : ـ سواء.
(٧) « ج ، م » : لوجود.