دار الأمر بين المطلق والمقيّد هل يحكم بالبراءة عن المقيّد ويؤخذ بالمطلق ولو في فرد آخر غير المقيّد نظرا إلى عموم أدلّة البراءة ، أو لا بدّ من الأخذ بالمقيّد ؛ لعدم جواز الاستناد إلى البراءة إذ لا كلفة في المقيّد لاتّحاد وجودي القيد والمقيّد في الخارج ، فلا يحتاج إلى مشقّة زائدة على نفس تحصيل المطلق ؛ إذ بتحصيله يحصل المقيّد أيضا؟ وجهان ، والأقوى جريان البراءة أيضا.
والسرّ فيه أنّ أخبار البراءة بين مصرّح (١) بأنّ الناس في سعة ، ومشعر (٢) بذلك كما يظهر بالتأمّل في مساقها ، ولا شكّ أنّ الالتزام بالإتيان بالمقيّد ضيق على المكلّف وغير معلوم والناس في سعة ما لم يعلموا ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون محتاجا إلى مشقّة عملية أيضا كما عند الشكّ في الأجزاء والشرائط ، أو لم يكن ؛ فإنّ المناط رفع الضيق وإثبات السعة وهو في المقام أيضا موجود كما لا يخفى ، ومثل ذلك ما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير ؛ فإنّ في طرف التعيين والالتزام به ضيقا لا ينكره إلاّ العسوف وإن كان القول بوجوب المعيّن ممّا لا يتوقّف على مشقّة زائدة على أصل التكليف الثابت في مقام الفعل والعمل.
والحاصل : أنّ أخبار البراءة لها مراتب : فتارة : يتوهّم انحصار موردها بالواجبات النفسية دون الواجبات الغيرية كما زعمه بعض الأجلّة (٣) ، وقد عرفت (٤) فيما مرّ فساده ، ويزيدك توضيحا ملاحظة حال الواجبات الغيرية سواء كانت أجزاء ، أو غيرها من المقدّمات كالشرط والسبب وسبب الشرط ونحوها أن لو كان كلّ واحدة منها مطلوبة بطلب مغاير لطلب الآخر كأن يكون الأوامر متعدّدة كما لا يخفى ، وإطلاق الوجوب على الغيري غير عزيز في مطاوي كلماتهم كما في تقسيمهم النكاح إلى الواجب وغير ذلك.
__________________
(١) كذا.
(٢) كذا.
(٣) الفصول : ٣٥٧.
(٤) عرفت في ص ٥٢٣.