واحد منهما ، أمّا الأوّل ، فلأنّ الفحص والتعلّم ليس من الواجبات النفسيّة حتّى يقال بالعقاب على تركه بل الظاهر أنّه واجب غيري مقدّمي كما يظهر من لفظ السؤال ، فإنّ المستفاد منه هو مطلوبية العمل بجوابه كما لا يخفى ، وسياق أدلّة السؤال كقوله : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )(١) وغير ذلك شاهد صدق على أنّ العلم ـ ولا سيّما في العمليات ـ ليس مطلوبا بنفسه ، وإنّما المقصود منه تحصيله للعمل.
ويدلّ على ذلك ما رواه المفيد الثاني (٢) في تفسير قوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ )(٣) من أنّه تعالى يحتجّ على العباد بقوله : « أما علمت؟ فإن قال : نعم ، فيقول : فهلاّ عملت؟ وإن قال : لا ، فيقول : فهلاّ تعلّمت فعملت؟ » (٤) وجه الدلالة ظاهر فإنّ التوبيخ على ترك العمل بعد العلم ، وعلى عدمه بعد عدمه على تقدير تحصيله كما لا يخفى.
ويتّضح ذلك غاية الاتّضاح عند ملاحظة قوله : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(٥) فإنّه تعالى جعل الحذر غاية للإنذار وهو واجب نفسي ، وغاية الحذر في العمل (٦) بفعل الواجبات وترك المحرّمات ، ولو لا أنّ المقصود هو العمل ، لكان بدل قوله : « يحذرون » « يتعلّمون » فإنّ الإنذار هو الإبلاغ والإرشاد كما لا يخفى.
وأمّا الثاني ، فبالمنع صغرى وكبرى إذ التارك للفحص والعامل بالبراءة قد يكون غافلا عن الفحص ، فلا تجرّي إلاّ أن يقال : إنّه مستند إلى اختياره بعد علمه الإجمالي بالواجبات والمحرّمات في الشريعة ، فغفلته بعد تقصيره غير مجدية.
__________________
(١) النحل : ٤٣ ؛ الأنبياء : ٧.
(٢) هو أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي ، ولد شيخ الطائفة الطوسي ، وقد ينسب أمالي والده إليه خطأ ؛ لأنّه كان راويه.
(٣) الأنعام : ١٤٩.
(٤) أمالي الطوسي : ص ٩ ، مجلس ١ ، ح ١٠ ؛ أمالي المفيد : ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، مجلس ٢٦ ، ح ٦ ، الحديث منقول بالمعنى.
(٥) التوبة : ١٢٢.
(٦) « ج » : ـ في العمل.