الحكم الواقعي المدلول عليه بقولنا : « الخمر نجس » وما يتوقّف حصوله على حصول العلم هو القضية الكلّية القائلة بأنّ العلم حجّة ، المستتبعة لبيان النجاسة المعلومة ، فالقضيّتان متغايرتان ؛ لتغاير طرفيهما ؛ فإنّ الموضوع والمحمول في الأولى غيرهما في الثانية.
قلت : نعم ، إلاّ أنّ القضية الثانية لا تغاير الأولى ؛ فإنّ العلم بالحكم الواقعي هو العلم بنجاسة (١) الخمر بل المعلوم الواقعي عين الواقع.
وإن شئت زيادة توضيح ، فاعلم أنّ العلم في القضية تارة يؤخذ قيدا (٢) للحكم والإدراك التصديقي كما في قولنا : « زيد قائم علما » فإنّا قيّدنا الحكم بالقيام على زيد بكونه علميا ؛ دفعا لاحتمال أن يكون التصديق بقيام زيد ظنّيا مثلا ، وقد يؤخذ جزءا لموضوع أو محمول ، فهو حينئذ (٣) كنفس الموضوع أو المحمول ، ولا يكون مرآة وآلة لملاحظة حال المحمول ، ثابتا للموضوع ، والقضية القائلة بأنّ كلّ ما هو معلوم الخمرية ـ مثلا ـ نجس إنّما يراد بها ثبوت المحمول للموضوع ثبوتا علميا ، ولا مدخل للعلم في الموضوع ؛ فإنّه قيد للحكم ، فالموضوع والمحمول في القضيتين ليسا بمتغايرين كما هو مبنى الاعتراض ، وذلك نظير ما لو علمنا الإنسان حيوانا (٤) دائما ، فالدوام في القضية مثلا جهة للنسبة ، فلو جعلناه جزءا للمحمول ، لم يصحّ ، وهذا هو منشأ الخلط في المقام من أخذ ما هو قيد للحكم أو جهة للنسبة جزءا للموضوع والمحمول ، ولا يجري مثل هذا الكلام في الظنّ حيث إنّ جريان تلك الأحكام في العلم إنّما هو من جهة عدم حاجة (٥) جعل العلم طريقا للواقع بخلاف الظنّ ؛ فإنّه محتاج إلى جعله طريقا ، ويستتبعه أحكام ظاهرية بها يصير الظنّ واسطة في إثباتها كما عرفت في الأقيسة المذكورة.
__________________
(١) « ل » : بنجاسته.
(٢) « ل ». حدّا.
(٣) « ل » : ـ حينئذ.
(٤) « ش » : حيوان؟
(٥) « ل » : الحاجة.