سلّمنا انسداد باب العلم بالأحكام لهم ولكن لا نسلّم انسداد باب العلم في طريقها أيضا لهم ، فالعلم في المسألة الأصولية كان ممكنا لهم ، ولعمري كيف يجوّز العاقل من أمثالهم إهمالهم في مثل هذه المسألة العظيمة مع أنّ أهل بيت العصمة والطهارة بيّنوا لهم أحكام دينهم ودنياهم حتّى أرش الخدش وآداب الأكل والشرب والنوم والخلوة والمقاربة ونحوها ، وهل هذا إلاّ للعلم برضاهم عليهمالسلام بالعمل بظواهر الكتاب؟
ثمّ إنّ المحقّق القمّي قد بنى القول بحجّية الكتاب على أنّه من الظنون الخاصّة التي قام القاطع على اعتبارها ، وعدمها على القول بعموم الخطاب لغير المشافهين وعدمه ، وعلى ما عرفت لا وقع له ، فإنّ الإجماع منعقد على اعتباره ولو لغير المشافه كما مرّ ، مع أنّا لو سلّمنا العموم وقطعنا النظر عن الإجماع على العمل به ، فلا نسلّم حجّيته من باب الخصوصية ، فإنّ مجرّد القول بعموم الخطاب لا يقضي بارتفاع احتمال الخلاف في ظواهر الألفاظ ، ولذا يجب الفحص عن المعارض على القول بالظنون الخاصّة أيضا ، ومع ذلك لا يحصل الاطمئنان بإرادة ما هو الظاهر من اللفظ.
ثمّ إنّ لصاحب المعالم كلاما في المقام لا بأس بنقله ، قال بعد الاستدلال على حجّية أخبار الآحاد بالدليل الرابع :
لا يقال : الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب معلوم لا مظنون ، وذلك بواسطة ضميمة مقدّمة خارجية وهو (١) قبح خطاب الحكيم بما له ظاهر وإرادة (٢) خلافه من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر ، سلّمنا ولكنّه ظنّ مخصوص ، فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلاّ بدليل.
لأنّا نقول : أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة ، وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب ، وأنّ ثبوت حكمه في حقّنا (٣) إنّما هو بالإجماع وقضاء
__________________
(١) المصدر : هي.
(٢) المصدر : وهو يريد.
(٣) المصدر : حقّ من تأخّر.