وتنكير «جنّات» على الأوّل ، يدلّ على أنّ ما لهم أدون ممّا للمتّقين الموصوفين بتلك الصّفات المذكورة في الآية المتقدّمة. وكفاك فارقا بين القبيلين أنّه فصل آيتهم ، بأن بيّن أنّهم محسنون مستوجبون لمحبّة الله ـ تعالى ـ وذلك لأنّهم حافظوا على حدود الشّرع وتخطّوا إلى التّخصيص بمكارمه. وفصل آية هؤلاء بقوله : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (١٣٦) : لأنّ المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل ما فوّت على نفسه. وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير ، ولعلّ تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النّكتة. والمخصوص بالمدح محذوف ، تقديره ، ونعم أجر العاملين تلك ، يعني ، المغفرة والجنّات.
وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله (١) ـ : محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال : أخبرنا محمّد بن صالح بن سعد التّميميّ قال : حدّثنا موسى بن داود قال : حدّثنا الوليد بن هشام قال : حدّثنا هشام بن حسّان ، عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ ، عن عبد الرّحمان بن غنم الدّوسى (٢) قال : دخل معاذ بن جبل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ باكيا فسلّم ، فردّ عليه السّلام ، ثمّ قال : ما يبكيك يا معاذ؟
فقال : يا رسول الله ، إنّ بالباب شابّا طريّ الجسد ، نقيّ اللّون ، حسن الصّورة ، يبكي على شبابه بكاء الثّكلى على ولدها ، يريد الدّخول عليك.
فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أدخل عليّ الشّابّ ، يا معاذ. فأدخله عليه فسلّم ، فرد عليه السّلام ، ثمّ قال : ما يبكيك ، يا شابّ؟
قال : كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا ، إن اخذني الله ـ عزّ وجلّ ـ ببعضها أدخلني نار جهنم ، ولا أراني إلّا سيأخذني بها ولا يغفر لي (٣) أبدا.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هل أشركت بالله شيئا؟
قال : أعوذ بالله أن أشرك بربّي شيئا.
__________________
(١) أمالي الصدوق / ٤٥ ، ٣.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «عبد الرحمان بن غنم الدواسيّ» والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ، ج ٣ ، فصل الكنى ، ص ٥١. ولهذا الراويّ ترجمة في نفس المصدر ٢ / ١٤٧ ، رقم ٦٤٠٨ من دون ذكر لقبه.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لا يغفرني.