فأقبل يزيّنها لي ويقول : أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا ، حتّى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتّى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : يا شابّ ، ويل لك من ديّان يوم الدّين ، يوم يقفني وإيّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبه إلى حسابي ، فويل لشبابك من النّار. فما أظنّ أنّي أشمّ ريح الجنّة أبدا ، فما ترى لي يا رسول الله؟
فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : تنحّ عنّي يا فاسق ، إنّي أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النّار.
ثم لم يزل ـ عليه السّلام ـ يقول ويشير إليه حتّى أمعن من بين يديه ، فذهب فأتى المدينة فتزوّد منها ، ثمّ أتى بعض جبالها فتعبّد فيها ولبس مسحا وغلّ يديه جميعا إلى عنقه (١) ، ونادى : يا ربّ ، هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول ، يا ربّ أنت الّذي تعرفني وزل منّي ما تعلم ، يا سيّدي يا ربّ إنّي أصبحت من النّادمين ، وأتيت نبيّك تائبا فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة (٢) سلطانك أن لا تخيّب رجائي سيّدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك.
فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السّباع والوحوش ، فلمّا تمّت له أربعون يوما وليلة ، رفع يديه إلى السّماء وقال : اللهمّ ، ما فعلت في حاجتي ، إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيّك ، وإن لم تستجب [لي] (٣) دعائي ولم تغفر [لي] (٤) خطيئتي وأردت عقوبتي فعجّل بنار تحرقني أو عقوبة في الدّنيا تهلكني وخلّصني من فضيحة يوم القيامة.
فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ، يعني : الزّنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ، يعني : بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا ، وهو (٥) نبش القبر وأخذ الأكفان (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا) (٦) (لِذُنُوبِهِمْ) يقول : خافوا الله فعجّلوا التّوبة. (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) يقول ـ عزّ وجلّ ـ : أتاك عبدي ـ يا محمّد ـ تائبا فطردته ، فأين يذهب وإلى من يقصد ومن يسأل أن يغفر له ذنبه (٧) غيري؟ ثمّ قال ـ عزّ و
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حلقه.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عظم.
(٣ و ٤) من المصدر.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) المصدر : واستغفروا.
(٧) المصدر : ذنبا.