الظهران ، ثمّ ألقى الله عليه الرّعب فبدا له في الرّجوع (١) ، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعيّ وقد قدم معتمرا ، فقال له أبو سفيان : إنّي وأعدت محمّدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وإنّ هذه عام جدب ، ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشّجر ونشرب فيه اللّبن ، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها ، وأكره أن يخرج محمّد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة ، فالحق بالمدينة فثبّطهم ، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو.
فأتى نعيم المدينة ، فوجد النّاس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان ، فقال لهم : بئس الرّأي رأيكم (٢) ، أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد ، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم ، فو الله لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الخروج.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : والّذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي ، فأمّا الجبان فإنّه رجع ، وأمّا الشّجاع فإنّه تأهّب للقتال ، وقال : حسبنا الله ونعم الوكيل.
فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أصحابه حتّى وافى (٣) بدر الصّغرى ـ وهو ماء لبني كنانة ، وكانت موضع سوق لهم في الجاهليّة يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيّام ـ فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان ، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى (٤) مكّة ، فسمّاهم أهل مكّة : جيش السّويق ، ويقولون : إنّما خرجتم تشربون السّويق. ولم يلق رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ، ووافو (٥) السّوق ، وكانت لهم تجارات ، فباعوا وأصابوا للدرهم (٦) درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
(فَزادَهُمْ إِيماناً) :
الضّمير المستكنّ للمقول ، أو لمصدر «قال» أو لفاعله.
والمعنى : أنّهم لم يلتفتوا إليه ، ولم يضعفوا ، بل ثبتت ثقتهم بالله تعالى وازداد إيمانهم ، وأظهروا حميّة الإسلام ، وأخلصوا النّيّة عنده.
وفيه دلالة على أنّ الإيمان يزيد بكثرة التأمّل وتناصر الحج ، وينقص بعروض الشّبه والمعارضات.
__________________
(١) «في الرجوع» ليس في المصدر.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : رأيتم.
(٣) المصدر : وافوا.
(٤) ليس في المصدر.
(٥) المصدر : وافق.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الدرهم.