ولما سمع السلطان ذلك تعجب من مقالته ، ثم حين فتح بيت المقدس خرج إليه المجد بن جهبل مهنئا له ففتحه وحدثه حديث الورقة فتعجب السلطان من قوله وقال : قد سبق إلى ذلك محيي الدين بن زكي الدين ، غير أني أجعل لك حظا لا يزاحمك فيه أحد ، ثم جمع له من في العسكر من الفقهاء وأهل الدين ثم أدخله إلى القدس بعدما خرج الفرنج منه وأمره أن يذكر درسا من الفقه على الصخرة ، فدخل وذكر درسا هناك وحظي بما لم يحظ به غيره.
قال ابن خلكان في ترجمة محمد بن أبي الحسن علي الملقب محيي الدين المعروف بابن زكي الدين : لما فتح السلطان صلاح الدين رحمهالله مدينة حلب أنشده القاضي محيي الدين المذكور قصيدة بائية أجاد فيها كل الإجادة ، وكان من جملتها بيت وهو متداول بين الناس وهو :
وفتحك القلعة الشهباء في صفر |
|
مبشر بفتوح القدس في رجب |
فكان كما قال : فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وقيل لمحيي الدين : من أين لك هذا؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان (١) ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أتطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة ، لكن كان هذا الفصل مكتوبا في الحاشية بخط غير الأصل ، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق به ، وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى قرره من قوله بضع سنين اه.
وقال في الروضتين : وقد رأيت أنا ذلك في كتابه ذكر في تفسير أول سورة الروم أن البيت المقدس استولت عليه الروم عام سبع وثمانين وأربعمائة ، وأشار أنه يبقى بأيديهم إلى تمام سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. قال : ونحن في عام اثنين وعشرين وخمسمائة ، وهذا الذي ذكره أبو الحكم الأندلسي في تفسيره من عجائب ما اتفق لهذه الأمة المرحومة ، ثم ذكر ما تكلم عليه شيخه أبو الحسن علي بن محمد في تفسيره.
__________________
(١) تقدم أن الذي وقف على ذلك في تفسير ابن برجان هو الفقيه مجد الدين بن جهبل الشافعي الحلبي وكتب بذلك ورقة إلى عيسى الفقيه هذا ولم يوصلها إلى صلاح الدين ، وحدث بما فيها لمحيي الدين بن الزكي في قوله تعالى (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ).