كتاب آخر حين فتح تل خالد :
نزلنا تل خالد يوم الثلاثاء ثاني عشر المحرم ، وكان قد تقدمنا الأجل تاج الملوك إليها وأناخ عليها وقابلها وقاتلها وعالجها ولو شاء لعاجلها ، ولما أطلت عليها راياتنا ألقى من فيها بيده وأنجز النصر صادق وعده ، وأرسلتها حلب مقدمة لفتحها ، وقد أنعم الله علينا بنعم لا نحصيها تعدادا ولا نستقصيها اعتدادا ولا نستوعبها ولو كان النهار طرسا والبحر مدادا. ورايتنا المنصورة قد صارت مغناطيس البلاد تجذبها بطبعها وسيوفنا قد صارت مفاتح الأمصار تفتحها بنصر الله لا بحدها ولا بقطعها.
من كتاب آخر إلى الخليفة في بغداد :
قال في الروضتين : قال العماد : ورد على السلطان وهو نازل على حلب بشارتان إحداهما أن الأسطول المصري غزا في خامس عشر المحرم ورجع بعد تسعة أيام وقد ظفر ببطسة مقلعة من الشام فيها ثلثمائة وخمسة وسبعون علجا من خيالة وتجار. والثانية أن فرنج الداروم نهضوا فنذر بهم والي الشرقية فخرج إليهم فالتقوا على ماء يعرف بالعسيلة فاستولى عليهم المسلمون بعد أن كادوا يهلكون عطشا ، لأن الفرنج كانوا قد ملكوا الماء فأرواهم الله بماء السماء. قلت : وكتب الفاضل عن السلطان إلى بغداد بهاتين البشارتين وبفتح حلب وحارم كتابا شافيا أوله : أدام الله أيام الديوان العزيز ، ولا زالت منازل مملكته منازل التقديس والتطهير ، والوقوف بأقصى المطارح من أبوابه موجبا للتقديم والتصدير ، والأمة مجموعة الشمل بإمامته جمع السلامة لا جمع التكسير. الخادم ينهي أن الذي يفتتحه من البلاد ويتسلمه إما بسكون التغمد أو بحركة ما في الأغماد إنما يعده طريقا إلى الاستنفار إلى بلاد الكفار ، ويحسبه جناحا يمكنه به المطار إلى ما يلابسه الكفار من الأقطار. [وبعد أن ذكر البشارتين] ذكر تسلمه حلب وأنه لا يؤثر إلا أن تكون كلمة الله هي العليا لا غير وثغور المسلمين لها الرعاية ولا ضير ، ولا نختار إلا أن تغدو جيوش المسلمين متحاشدة على عدوها لا متحاسدة بعتوها ، ولو أن أمور الحرب تصلحها الشركة لما عز عليه أن يكون كثير المشاركين ولا أساءه أن تكون الدنيا كثيرة المالكين ، وإنما أمور الحرب لا تحتمل في التدبير إلا الوحدة ، فإذا صح التدبير لم يحتمل في اللقاء إلا العدة ، فعوض عماد الدين من بلاد الجزيرة سنجار وخابورها ونصيبين والرقة وسروج على أن المظالم تموت فلا ينشر