حدثني أبي عن مجد الدين بن الخشاب قال : حدثني الملك الظاهر قال : لما بلغني أن السلطان أعطى حلب للملك العادل جرى عليّ ما قدم وما حدث وأصابني من الهم ما لم أقدر على النهوض به ، ووددت أني لم أكن رأيتها ولا دخلت إليها لأني قلبي أحبها وقبلها وطاب لي هواؤها ، ولما فارقتها كنت أحن إليها وأشتاقها.
قال : ودخل العادل حلب في رمضان وخلع على المقدمين والأعيان ، وكان قد قدم بين يديه كاتبه المعروف بالصنيعة لتسلم حلب وقلعتها من الملك الظاهر وولى القلعة صارم الدين بزغش وولى الديوان والإقطاعات شجاع الدين بن البيضاوي صباغ ذقنه ، وولى الإنشاء وما يتعلق بأمور السر للصنيعة ابن النحال وكان نصرانيا ثم أسلم على يد العادل ، فولى ابن النحال الوظائف لجماعة من النصارى ، وفي ذلك يقول الشاعر :
فاق دين المسيح في دولة العا |
|
دل حتى علا على الأديان |
ذا أمير وذا وزير وذا وا |
|
ل وذا مشرف على الديوان |
وفي السيرة الصلاحية للقاضي ابن شداد قال : عاد السلطان صلاح الدين من الكرك إلى دمشق مستصحبا أخاه الملك العادل معه لإياسه عن الكرك بعد نزول الإفرنج عليها ، فدخل دمشق في الرابع والعشرين من شعبان وأعطى أخاه الملك العادل حلب بعد مقامه بدمشق إلى ثاني يوم من شهر رمضان ، وكان بها ولده الملك الظاهر ومعه سيف الدين يازكج يدبر أمره وابن العميد في البلد ، وكان الملك الظاهر من أحب الأولاد إلى قلبه لما قد خصه الله به من الشهامة والفطنة والعقل وحسن السمت والشغف بالملك والظهور ذلك عليه ، وكان أبر الناس بوالده وأطوعهم له ، ولكن أخذ منه حلب لمصلحة رآها ، فخرج من حلب لما دخل الملك العادل هو ويازكج سائرين إلى خدمة السلطان ، فدخل دمشق الثامن عشر من شوال فأقام في خدمة أبيه لا يظهر إلا الطاعة والانقياد مع انكسار في باطنه لا يخفى عن نظر والده اه.
ومما يجدر ذكره هنا ما ذكره ابن خلكان في ترجمة محمد أبي السعادات المعروف بالمسعودي قال : حكى أبو البركات الهاشمي الحلبي قال : لما دخل السلطان صلاح الدين إلى حلب سنة تسع وسبعين وخمسمائة نزل المسعودي المذكور إلى جامع حلب وقعد في خزانة كتبها الوقف (وكان محلها في الشرقية) واختار منها جملة أخذها لم يمنعه منها مانع ، ولقد رأيته وهو يحشوها في عدل اه.