قال : وحدثني أبي قال : حدثني جماعة قالوا : كان السلطان ليس له غناء عن العادل ولا عن رأيه ، فلما حصل العادل بمصر وبعد عن السلطان هناك صار السلطان يتكلف بمكاتبته بالأخبار ويؤخر الأمور إلى أن يرد عليه جوابه فيفوته بذلك كثير من المنافع الحاصلة للدولة وللجهاد ، فلما حصر الكرك في هذه السنة كاتبه بالحضور إليه بعياله وأمواله وجميع أصحابه وولى مصر تقي الدين ، ولما حصل العادل عند السلطان وقع في نفسه أن يعوضه عن ولاية مصر ، ثم حار في ولاية يوليه إياها ، قال : وحدثني غيره قال : لما حصل العادل عند السلطان بأمواله وأثقاله كانت الأموال قد قلت على السلطان وقد حصلت عنده عساكر عظيمة ، فأحضر العادل ليلا وقال : أريد أن تقرضني مائة وخمسين ألف دينار إلى الميسور فقال : السمع والطاعة ، ثم قام وخرج من عنده وكتب إليه يقول : أموالي جميعها بين يديك وأنا مملوكك وأشتهي أن أحمل هذا المال إلى خدمة السلطان ويكون عوضا عنه مدينة حلب وقلعتها ، فأجابه السلطان : إنني والله ما أقدمتك إلا لأوليك حلب ، وإذ قد اقترحت ذلك فقد وافق ما عندي ، فلما أصبح العادل أنفذ وسأل السلطان أن يكتب له بمدينة حلب كتابا ويجعله ككتاب البيع والشراء ، فامتنع السلطان وقال : إنما تكون حلب إقطاعا والمال علي له ، فاعتذر العادل إلى السلطان ، ولما اجتمعا قال له السلطان : أظننت أن البلاد تباع؟ أو ما علمت أن البلاد لأهلها المرابطين بها ونحن خزنة للمسلمين ورعاة للدين وحراس لأموالهم ، أو ما علمت أن السلطان ملك شاه السلجوقي لما وقف طبرية على جامع خراسان لم يحكم به أحد من القضاة ولا من الفقهاء. ثم قرر السلطان ولاية العادل لحلب وأعمالها إلى رعبان إلى الفرات إلى حماة ، وكتب له التوقيع وقرر عليه مالا يحمله برسم الزرد خانات وخزانة الجهاد ورجالة من الحلبيين. ورحل السلطان إلى دمشق واستدعى ولده الظاهر من حلب ، فلما حضر أمره بالعود إلى حلب وتسليمها إلى عمه العادل ، ففعل وعاد إلى دمشق وسار العادل إلى حلب فالتقيا بالرستن وباتا فيه ، فكانت ولاية الظاهر بحلب في هذه النوبة نحو ستة أشهر.
ولما وصل الظاهر إلى دمشق أقبل على خدمة والده والتقرب إليه ، إلا أن الانكسار لخروج حلب عنه ظاهر عليه وهو مع ذلك لا يظهر شيئا إلا الطاعة لوالده والانقياد إلى مرضاته.