وأما أخذ حلب من العادل فإن السبب فيه أن كان من جملة جندها أمير كبير اسمه سليمان بن جندر بينه وبين صلاح الدين صحبة قديمة قبل الملك ، وكان صلاح الدين يعتمد عليه ، وكان عاقلا ذا مكر ودهاء ، فاتفق أن الملك العادل لما كان بحلب لم يفعل معه ما كان يظنه وقدم غيره عليه فتأثر بذلك ، فلما مرض صلاح الدين وعوفي سار إلى الشام فسايره يوما سليمان بن جندر فجرى حديث مرضه ، وكان صلاح الدين قد أوصى لكل واحد من أولاده بشيء من البلاد ، فقال له : بأي رأي كنت تظن أن وصيتك تمضي كأنك كنت خارجا إلى الصيد فلا يخالفونك ، بالله ما تستحي يكون الطائر أهدى منك إلى المصلحة ، قال : وكيف ذلك ، وهو يضحك ، قال : إذا أراد الطائر أن يعمل عشا لفراخه قصد أعالي الشجرة ليحمي فراخه ، وأنت سلمت الحصون إلى أهلك وجعلت أولادك على الأرض ، هذه حلب وهي أم البلاد بيد أخيك وحماة بيد ابن أخيك تقي الدين وحمص بيد ابن شيركوه وابنك العزيز مع تقي الدين بمصر يخرجه أي وقت أراد ، وهذا ابنك الآخر مع أخيك في خيمة يفعل به ما أراد ، فقال له : صدقت واكتم هذا الأمر ، ثم أخذ حلب من أخيه وأخرج تقي الدين من مصر ثم أعطى أخاه العادل حران والرها وميافارقين ليخرجه من الشام ومصر لتبقى لأولاده فلم ينفعه ما فعل. لما أراد الله تعالى نقل الملك عن أولاده على ما نذكره اه.
وكانت وفاة الملك العادل سنة ٦١٥ كما ذكره ابن الأثير في حوادث هذه السنة ، وكان عمره خمسا وسبعين سنة. وقال : إنه كان عاقلا ذا رأي سديد ومكر شديد وخديعة صبورا حليما ذا أناة ، يسمع ما يكره ويغض عليه ، حتى كأنه لم يسمعه ، كثير الحرج وقت الحاجة لا يقف في شيء وإذا لم تكن حاجة فلا. وملك دمشق سنة ٥٩٢ من الأفضل ابن أخيه ، وملك مصر منه سنة ٥٩٦ ، وقسم الملك في حياته بين أولاده. وبسط ابن الأثير ذلك.
وقال ابن خلكان في ترجمته ما خلاصته : هو أبو بكر محمد بن أبي الشكر أيوب ابن شادي بن مروان الملقب بالملك العادل سيف الدين ، ولما ملك السلطان صلاح الدين الديار المصرية كان ينوب في حال غيبته في الشام ويستدعي منه الأموال للإنفاق في الجند وغيرهم.