وهذا المنبر غير المنبر الذي كنت سمعت أن صانعه كان فلاحا من قرية الأخترين من قرى حلب ، وأنه مات قبل تركيبه وعجز الناس عن تركيبه ، فرآه ولده في النوم فقال له : عجزتم عن تركيبه؟ قال : نعم ، فأراهم كيفية التركيب فأصبح ولده وركبه اه.
أقول : وقد تقدم في حوادث سنة ٥٨٠ وصف ابن جبير للمنبر القديم ، وهذا قد احترق حينما دخل صاحب سيس إلى الجامع وأحرق الجانب القبلي منه وذلك سنة ٦٨٤ كما سيأتي ، وبقي إلى أن جدد في أيام الملك الناصر محمد في أوائل القرن الثامن وهو الموجود إلى الآن ، وهو من خشب الآبنوس بديع الصنعة قد تخلل أجزاءه قطع رقاق صغار من العاج يدلك على براعة صانعه ورقي تلك الصنعة في ذلك العهد. لكنه على مقتضي وصف ابن جبير له لم يأت مثل المنبر القديم.
ومكتوب على تاج بابه : (عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره). وتحت ذلك : (عمل العبد الفقير إلى الله محمد بن علي الموصلي). وعلى مصراعي الباب : (بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد). وكتب وراء المنبر في أعلى الجدار : (أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قراسنقر الجوكندار الملكي المنصوري عز نصره).
وأما المنبر الذي حمل إلى القدس الذي هو نظير السابق فإنه لم يزل باقيا فيها إلى وقتنا هذا ، وعزمت على أخذه بالمصور الشمسي وإثباته هنا لتعلم منه صنعة ذلك المنبر فلم يتسهل لي ذلك ، وقد كتب لي بالواسطة ما هو مكتوب على ذلك المنبر ، قال : مكتوب في الجهة الشرقية عن يسار المنبر في أطرافه الأربع بعد البسملة : (أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الشاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لإعلاء دينه العادل نور الدين ركن الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين أبو القاسم محمود بن زنكي بن أيوب ناصر أمير المؤمنين عز الله أنصاره وأدام اقتداره وأعلى مناره في الخافقين ألويته وأعلامه وأعز أولياء دولته وأذل كفار نعمته وفتح له وعلى يديه وأقر بالنصر والزلفا عيناه) (هكذا كتب لي) برحمتك يا رب العالمين وذلك في شهور أربعة وستين وخمسمائة.
ومكتوب على المصراع الأيمن من الباب : (عمله سليمان معالي رحمهالله) وعلى المصراع الأيسر : (عمله حميد بن ظافر رحمهالله).