دمشق (١) ، ثم رتب فيه صلاح الدين خطيبا وإماما برسم الصلوات الخمس ، وأمر أن يعمل له منبر فقيل له إن نور الدين محمودا كان قد عمل بحلب منبرا أمر الصناع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه ، وقال : هذا قد عملناه لينصب بالبيت المقدس فعمله النجارون في عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله ، فأمر بإحضاره فحمل من حلب ونصب بالقدس ، وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة ، وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده رحمهالله اه.
وقال في الروضتين نقلا عن العماد الكاتب ما خلاصته : أنه كان بحلب نجار يعرف بالأختريني من ضيعة تعرف بأخترين لم يلف له في براعته وصنعته قرين ، فأمره نور الدين بعمل منبر لبيت الله المقدس وقال له : اجتهد أن تأتي به على النعت المهندم والنحت المهندس ، فجمع الصناع وأحسن الإبداع ، وأتمه في سنين واستحق بحق إحسانه التحسين ، واتفق أن جامع حلب في الأيام النورية احترق فاحتيج إلى منبر ينصب فنصب ذلك المنبر وحسن المنظر ، وتولى حينئذ النجار عمل المحراب على الرقم وشابه المحراب المنبر في الرسم ، ومن رأى حلب شاهد منه على مثال المنبر القدسي الإحسان.
وفي كراسة عندي تكلم فيها على الجامع الأعظم (ويظهر أنها من كنوز الذهب لأبي ذر) قال فيها : قرأت في تاريخ الإسلام [للذهبي] : وقد كان نور الدين أنشأ منبرا برسم الأقصى قبل فتح بيت المقدس طمعا في أن يفتحه ، ولم تزل نفسه تحدثه بفتحه ، وكان بحلب نجار فائق الصنعة فعمل لنور الدين هذا المنبر على أحسن نعت وأبدعه ، فاحترق جامع حلب فنصب فيه ، ثم عمل النجار المذكور ويعرف بالأختريني منبرا آخر شبه ذلك المنبر ، فلما افتتح السلطان بيت المقدس أمر بنقل المنبر فنصب إلى جانب محراب الأقصى. انتهى.
وقال قبل نقل كلام الذهبي : وأما المنبر الذي هو الآن به فعمل في أيام السلطان الملك الناصر محمد وصانعه محمد بن علي الموصلي بتولي محمد بن عثمان بن الحداد (٢) ،
__________________
(١) وخطبته مذكورة في الروضتين وفي ابن خلكان في ترجمة ابن الزكي وهي طويلة بديعة.
(٢) والملك الناصر محمد تولى الملك في الديار المصرية ثلاث مرات والمرة الثالثة كانت سنة ٧٠٩ وبقي إلى سنة ٧٤١.