تسع وثمانين وخمسمائة عند وفاة والده رحمهالله ملكه مدينة دمشق والبيت المقدس وغيرهما من الشام ، وذكرنا سنة اثنتين وتسعين أخذ الجميع منه ، ثم ذكرنا سنة خمس وتسعين ملكه ديار مصر ، وذكرنا سنة ست وتسعين أخذها منه ، وانتقل إلى سميساط وأقام بها ولم يزل بها إلى الآن ، فتوفي بها ، وكان رحمهالله من محاسن الزمان لم يكن في الملوك مثله ، كان خيرا عادلا فاضلا حليما قل أن عاقب على ذنب ، ولم يمنع طالبا ، وكان يكتب خطا حسنا وكتابة جيدة ، وبالجملة فاجتمع فيه من الفضائل والمناقب ما تفرق في كثير من الملوك ، لا جرم حرم الملك والدنيا وعاداه الدهر ومات بموته كل خلق جميل وفعل حميد ، فرحمهالله ورضياللهعنه.
ورأيت من كتابته أشياء حسنة ، فمما بقي على خاطري منها أنه كتب إلى أصحابه لما أخذت دمشق منه كتابا من فصوله :
وأما أصحابنا بدمشق فلا علم لي بأحد منهم وسبب ذلك أني
أي صديق سألت عنه ففي |
|
الذل وتحت الخمول في الوطن |
وأي ضد سألت حالته |
|
سمعت مالا تحبه أذني |
فتركت السؤال عنهم. وهذا غاية الجودة في الاعتذار عن ترك السؤال عنهم. ولما مات اختلف أولاده وعمهم قطب الدين موسى ولم يقو أحد منهم على الباقين ليستبد بالأمر اه.
وقال ابن خلكان في ترجمته : كان الأفضل أكبر أولاد أبيه وإليه كانت ولاية عهده ، وفيه فضيلة ومعرفة وكتابة ونباهة ، وكان يحب العلماء ويعظم حرمتهم. سمع بالإسكندرية من الإمام أبي الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف الزهري ، وبمصر من العلامة أبي محمد عبد الله بن بري النحوي ، وأجاز له أبو الحسن أحمد بن حمزة بن علي السلمي وأبو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني وغيرهما من الشاميين ، وأجاز له أبو القاسم هبة الله بن علي ابن مسعود وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد وغيرهما من المصريين. وله شعر ، فمن المنسوب إليه أنه كتب إلى الإمام الناصر يشكو من عمه العادل أبي بكر وأخيه العزيز عثمان لما أخذا منه دمشق :
مولاي إن أبا بكر وصاحبه |
|
عثمان قد غصبا بالسيف حق علي |