يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم ، ويمكن أن يستخدم من فضلات خواص الأمراء ألف فارس.
وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها خارجا عن جميع ما ذكرناه وهو جملة أخرى كثيرة ، ثم يرتفع بعد ذلك كله من فضلات الإقطاعات الخاصة بالسلطان من سائر الجبايات إلى قلعتها عنبا وحبوبا ما يقارب في كل يوم عشرة آلاف درهم ، وقد ارتفع إليها في العام الماضي وهو سنة ٦٢٥ من جهة واحدة وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الإفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع سبعمائة ألف درهم مع العدل الكامل والرفق الشامل بحيث لا يرى فيها متظلم ولا متهضم ولا مهتضم ، وهذا من بركة العدل وحسن النية.
وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة ، لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض ، وفي وسط ذلك الوطاء جبل عال مدور صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره ، والقلعة مبنية في رأسه ، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء ، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين ، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة ، وكان الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمته العالية فعمرها (بعمارة) ١ عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها ، لكن حالت المنية بينه وبين تتمتها.
ولها في أيامنا هذه ثمانية أبواب باب الأربعين وباب اليهود ، وكان الملك الظاهر قد جدد عمارته وسماه باب النصر ، وباب الجنان وباب أنطاكية وباب قنسرين وباب العراق وباب النيرب ٢.
وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء ، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال ، فقل ما ترى من ناشئتها من لم يتقبل أخلاق آبائه في مثل ذلك ، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان.
وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها ، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مراد الصنوبري وقد أجاد فيها ووصف منتزهاتها وقراها القريبة فقال :
__________________
١ ـ زيادة من معجم البلدان.
٢ ـ في معجم البلدان : وباب السر (بدل باب النيرب) ، على أن الأبواب التي ذكرها ياقوت سبعة لا ثمانية ، فلعله أخل بباب النيرب.