لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ، وكانت القباب منصوبة من باب القلعة إلى باب الخانقاه المجاورة للميدان ، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ويقف على قبة قبة إلى آخرها ويسمع غناءهم ويتفرج على خيالاتهم وما يفعلونه في القباب ، ويبيت في الخانقاه ويعمل السماع فيها ، ويركب عقيب صلاة الصبح يتصيد ثم يرجع إلى القلعة قبل الظهر ، هكذا يعمل كل يوم إلى ليلة المولد ، وكان يعمله سنة في ثامن الشهر وسنة في ثاني عشره لأجل الاختلاف الذي فيه. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرا زائدا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي حتى يأتي بها إلى الميدان ، ثم يشرعون في نحرها وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ، ثم ينزل وبين يديه من الشموع المشتعلة شيء كثير وفي جملتها شمعتان من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة منها على بغل ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل حتى ينتهي إلى الخانقاه ، فإذا كان صبيحة المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية على يد كل شخص منهم بقجة وهم متتابعون كل واحد وراء الآخر ، فينزل من ذلك شيء كثير لا أتحقق عدده ، ثم ينزل إلى الخانقاه وتجتمع الأعيان والرؤساء وطائفة كبيرة من بياض الناس ، وينصب كرسي للوعاظ ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذي فيه الناس والكرسي وشبابيك أخر للبرج أيضا إلى الميدان ، وهو ميدان كبير في غاية الاتساع ، ويجتمع فيه الجند ويعرضهم ذلك النهار ، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ ، ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم ، فعند ذلك يقدم السماط في الميدان للصعاليك ، ويكون سماطا عاما فيه من الطعام والخبز شيء كثير لا يحد ولا يوصف ، ويمد سماطا في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي ، وفي مدة العرض ووعظ الوعاظ يطلب واحدا واحدا من الأعيان والرؤساء والوافدين لأجل هذا الموسم ممن قدمنا ذكره من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء ويخلع على كل واحد منهم ، ثم يعود إلى مكانه ، فإذا تكامل ذلك حضروا السماط وحملوا منه لمن يقع التعيين على الحمل إلى داره ، ولا يزالون على ذلك إلى العصر أو بعدها ، ثم يبيت تلك الليلة هناك ويعمل السماعات إلى بكرة ، هكذا دأبه في كل سنة. وقد لخصت صورة الحال فإن الاستقصاء يطول ، فإذا فرغوا من هذا الموسم تجهز كل إنسان للعود إلى بلده فيدفع لكل شخص شيئا من النفقة. وقد ذكرت في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية في حرف العين وصوله إلى إربل وعمله