ناهيا منكرا ، وكل من تمسك بالأصول لا يبالي بالفروع ، بالإيمان ندرأ فعل العصيان ونحن المؤمنون حقا ، لا يداخلنا عيب ولا يخامرنا ذم ولا ريب ، والقرآن علينا نزل وربنا رحيم بنا لم يزل ، قد تحققنا تنزيله وعرفنا أسراره وتأويله ، والجنة لنا زخرفت والجحيم لكم خلقت ولخلودكم فيها سعرت ، إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت ، ومن أعجب العجب تهديد الرتوت باللتوت والسباع بالضباع ، خيولنا عربية وسهامنا يمينة ولتوتنا صعيدية وسيوفنا مصرية ، وهي شديدة المضارب موصوفة في المشارق والمغارب ، وإنا لا يصدع قلوبنا التهديد وجمعنا لا يخاف التفرقة والتبديد ، ولو أننا نستف الصعيد فإنا لا نميل ولا نبيد ، وذلك بتأييد العزيز الحميد ، إن عصيناكم فتلك الطاعة وإن قاتلناكم فنعم البضاعة ، وإن قتلنا أو قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة. وأما قولكم قلوبنا كالجبال وعديدنا كالرمال فإن القصّاب لا يبالي بكثرة الغنم ، وكثير من الحطب يحرقه قليل من الضرم ، والفرار من الدنايا لا من المنايا ، وهجوم المنية هي عندنا غاية الأمنية ، وإنا إن عشنا عشنا سعداء وإن متنا متنا شهداء. أبعد أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين تطلبون منا الطاعة ، لا سمع لكم ولا طاعة ، لا نعطى الذلة وبأيدينا سيوف حداد وبين أيدينا رجال شداد ، وزعمتم أن نلقي إليكم أمرنا قبل أن ينكشف الغطا وينزل علينا منكم الخطا ، هذا كلام فيه لحن وتمكيك وفي نظمه تبديل وتركيك ، فسوف ينكسر منكم المطا وتقصر منكم الخطا ، أكفر بعد إيمان أم تكذيب بعد تبيان أم طاعة صلب وأوثان أم تدعون مع الله إلها ثان (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) فقولوا لكاتبكم الذي رصف رسالته وصفف مقالته ما قصرت ، أوجزت وأبلغت واختصرت ، ووصل إلينا كتابك وفهمنا ما تضمنه خطابك ، فكان عندنا كصرير الباب أو كطنين الذباب ، ما كان الغرض إلا إعلان فصاحتك وإظهار محض نصيحتك ، وقد يستفيد الظنة المتنصح. الآن قد استوجبت النقم كما استخففت بالنعم وسوف تقع في الندم وتزل بك القدم. والسلام على من اتبع الهدى إنه قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ، والحمد لله وحده والصلاة على محمد وآله وصحبه وسلم (١).
__________________
(١) أقول : ظفرت بهذا الجواب في كراسة خطية قديمة عند السيد أسعد العينتابي مدير دائرة تسجيل الأملاك الآن وقد كتب معها الكتاب الذي أرسله هولاكو إلى الملك الناصر صاحب حلب ، غير أنه يختلف عما نقلناه عن مختصر الدول في بعض الألفاظ والمآل واحد. وهذا الجواب نادر الوجود ولعلك لا تجده في غير هذا الكتاب.