الغيطان والسواقي أجرة شهر ، وأحدث من أبواب هذه المظالم أشياء كثيرة ، فبلغ جملة ما جمعه من المال في هذه الحركة ستمائة ألف دينار ، فأنفق على العسكر والعربان وبرز خيامه إلى الريدانية ، فلما كان أواخر شهر شعبان سنة ثمان وخمسين وستمائة نزل السلطان الملك المظفر قطز من قلعة الجبل في موكب عظيم ، فلما نزل بالريدانية أمر بتوسيط كتبغا فويز بك أمير هولاكو ومن كان معه من التتار ، ثم رحل من الريدانية ونزل بمنزلة الصالحية وأقام بها إلى أن تكامل العسكر ، ثم رحل من الصالحية وجد في السير إلى أن وصل إلى عين جالوت من أرض كنعان ، فتلاقى هناك عسكر هولاكو وعسكر السلطان قطز فكانت بينهما ساعة تشيب فيها النواصي وقتل من الفريقين ما لا يحصى عدده ، فكانت الكسرة على التتار فكسروهم وشتتوهم إلى بيسان ، وكان ذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من السنة المذكورة ، ثم وقعت بينهما وقعة ثانية على بيسان أعظم من الأولى ، فقتل من التتر نحو النصف وغنم عسكر السلطان منهم غنيمة عظيمة من خيول وسلاح وغير ذلك.
وقال أبو الفداء : في سنة ثمان وخمسين وستمائة كانت هزيمة التتر في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان على عين جالوت ، وكان من حديثها أنه لما اجتمعت العساكر الإسلامية بمصر عزم الملك المظفر قطز مملوك المعز أيبك على الخروج إلى الشام لقتال التتر ، وسار من مصر بالعساكر الإسلامية وصحبته الملك المنصور محمد صاحب حماة وأخوه الملك الأفضل علي ، وكان مسيره من الديار المصرية في أوائل رمضان من هذه السنة ، ولما بلغ كتبغا وهو نائب هولاكو على الشام ومقدم التتر مسير العساكر الإسلامية إليه صحبة الملك المظفر قطز جمع من في الشام من التتر وسار إلى لقاء المسلمين ، وكان الملك السعيد صاحب الصبيبة ابن الملك العزيز ابن الملك العادل ابن أيوب صحبة كتبغا ، وتقارب الجمعان في الغور والتقوا يوم الجمعة المذكور ، فانهزمت التتر هزيمة قبيحة وأخذتهم سيوف المسلمين وقتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابنه ، وتعلق من سلم من التتر برؤوس الجبال وتبعتهم المسلمون فأفنوهم ، وهرب من سلم منهم إلى الشرق ، وجرد قطز ركن الدين بيبرس البندقداري في إثرهم فتبعتهم المسلمون إلى أطراف البلاد الشرقية ، وكان أيضا في صحبة التتر الملك الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وطلب الأمان من المظفر قطز فأمنه ووصل إليه فأكرمه وأقره على ما بيده وهو حمص ومضافاتها. وأما الملك السعيد صاحب