وعظم شأنه جدا ، ثم دخل بعساكره إلى الديار المصرية سنة ثمان وأربعين فكسر عساكرها وخطب له بمصر وقلعة الجبل ، وكاد يملك الإقليم ويستولي على الممالك الصلاحية كلها لو لا ما قدره الله من ظهور طائفة من عسكر مصر وانهزامه إلى الشام ومقتل مدبر دولته الأمير شمس الدين لولو.
وأقام الملك الناصر بدمشق عشر سنين حاكما على الشام والشرق إلى أن قدر الله تعالى ما قدره من استيلاء التتر على البلاد وذهابه إليهم ومقتله رحمهالله. ولم يكن لأحد من الملوك قبله مثل ما كان له من التجمل بكثرة العظام وغيره ، فإنه كان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمائة رأس من الغنم ، وكان نفقة مطبخه في كل يوم عشرين ألف درهم.
وكان الملك الناصر رحمهالله حليما إلى الغاية عظيم العفو عن الزلّات ، لا يرى المؤاخذة والانتقام ، بل سجيته الصفح والتجاوز. اعترضه شخص يوما بورقة فأمر بأخذها منه وقرأها فوجد فيها الوقيعة فيه وذمه ، فقال لبعض غلمانه : قل له يخرج من دمشق إلى حيث شاء فأنا ما أوذيه ولا أقابله على فعله.
وكان رحمهالله حسن المباسطة مع جلسائه ، وكان في خدمته جماعة كثيرة من الفضلاء والعلماء والأدباء والشعراء وغيرهم ولهم عليه الرواتب السنية. وكان حسن العقيدة والظن بالصالحين يكرمهم ويبرهم ويجري عليهم الرواتب اه باختصار.
وقال أبو الفداء أيضا في ترجمته : كان حليما وتجاوز به الحلم إلى حد أضر بالمملكة ، وانقطعت الطرق في أيامه وبقي لا يقدر المسافر على السفر من دمشق إلى حماة وغيرها إلا برفقة من العسكر ، وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه ، وكثرت الحرامية وكانوا يكبسون الدور ، ومع ذلك إذا حضر القاتل إلى بين يدي الملك الناصر المذكور يقول : الحي من الميت أفضل ويطلقه ، فأدى ذلك إلى انقطاع الطرقات وانتشار الحرامية والمفسدين.
وكان على ذهن الناصر المذكور شيء كثير من الأدب والشعر ، ويروى له أشعار كثيرة منها :
فو الله لو قطّعت قلبي تأسفا |
|
وجرعتني كاسات دمعي دما صرفا |