ما فيها من البضايع والفتك بأربابها ، فخرج من القاهرة نحو الشام وصحبته العساكر المنصورة وترك نائبا عنه الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني ، فوصل إلى دمشق وحلب ، ثم توجه ولم يشعر أحد أين يتوجه فنزل بقرب (سرمين) ورتب العساكر وطلب من كل جندي قربة وحبلا برسم الكلك (هكذا) وفرقهم على الأمراء ، ثم رحل ونزل حارم مخفا ، ثم رحل وخاض النهر الأسود ونزل تحت درب ساك وجعل كل ألف فارس إلى مقدم وأمرهم بدخول سيس ، فكان أول من دخلها الأمير بيليك الخزندار نائب المملكة ومعه جماعة من الأمراء ، فوصل إلى إسكندرونة فقتل وسبى ، وقصد المصيصة فباكرها فوجد الأرمن يريدون أن يحرقوا الجسر الذي هو على نهر جيحان فعاجلهم وقد أخذت النار فيه فأطفأها وعبر ومكن سيفه فيمن لقي من الأرمن ولم يبق إلا النساء والأطفال ، ثم ردفه مولانا بمن بقي معه من العساكر ، فلما عبر الجسر قطعه ثم رحل وقصد سيس ، فوجد ليفون وقد خرج منها هاربا ، فسار خلفه ليدركه ففاته ، فعاد إلى سيس فحاصر قلعتها فامتنعت عليه فأحرق البلد وعفاها وطمس معالمها وأخفاها وبث عساكره في أعمالها وأمرهم بإحراق ضياعها ومزارعها ، إلى أن وصلوا إلى ساحل البحر فنهبوا من كان بأياس ١ من التجار ، ثم عاد السلطان ورحل ونزل على قلعة تسمى سن الفار فحاصرها أياما ، ثم رحل بسبب أن العلوفات والأقوات قلت ، وكان قد استأمن السلطان عند توغله في بلاد سيس عشرون ألف بيت من التركمان وخلق كثير من العرب كانوا قد ركبوا إلى هيثوم لما استولت التتر على بلاد حلب ، فأمّر جماعة منهم وأقطعهم الأخباز وأخذ منهم العداد. فلله عزمات أضرمت في صدر الأعداء نارا وأكسبتهم بالفرار عارا وشنارا وأخلتهم عن ديار أهدت إليهم درها كبارا وغذتهم بدرها صغارا وأمكنت منهم سيوفا ألبستهم على مدى الأيام ذلا وصغارا. وجرت على عزمات من تقدم من الملوك ذيل الفخر باغتنام الأجر ، وطلعت في السير طلوع الفجر ، فإنها أزاحت علة الخوف من الأرمن بفتكاتها المبيدة وأرحت من جاوز بلادهم من حرب يحتاج فيه إلى ختل ومكيدة ، وأصارت صياصيها موطوءة بالحوافر ، محبوة بالتطهير ممن كان يستوطنها من الكوافر اه.
__________________
١ ـ قال ابن شداد في «الدر المنتخب» : أياس : هي على حصن على شاطىء البحر ، وتسمى الآن أيار وهي فرضة سيس.