فشقوها وساقت إلى الميمنة ، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمين بنفسه ومن معه ، ثم لاحت منه التفاتة فرأى الميسرة قد كادت تتحطم فأمر جماعة من الأمراء بإردافها ، ثم حمل بالعسكر جميعه حملة واحدة على التتار فترجلوا إلى الأرض عن آخرهم وقاتلوا المسلمين قتالا شديدا وصبر المسلمون صبرا عظيما ، فأنزل الله نصره على المسلمين فأحاطت بالتتار العساكر من كل جانب وقتلوا منهم خلقا كثيرا وقتل مقدمهم تناون وغالب كبرائهم وأسر منهم جماعة كثيرة صاروا أمراء ، وكان من جملة المأسورين في هذه الوقعة سيف الدين قبجق وسيف الدين أرسلان. وقتل من المسلمين أيضا جماعة فكان في جملة من قتل من سادات المسلمين الأمير الكبير ضياء الدين ابن الخطير وسيف الدين قيماز وسيف الدين بنجو الجاشنكير وعز الدين أيبك الثقفي. وهرب البرواناه (من أمراء الروم الذين كانوا مع التتار) فنجا بنفسه ودخل قيسارية في بكرة الأحد ثاني عشر ذي القعدة ، وأعلم أمراء الروم وملكهم بكسرة التتر على البلستين وأشار عليهم بالهزيمة فانهزموا منها وأخلوها.
وأما الملك الظاهر فإنه بعد فراغه من هذه الوقعة سار إلى قيسارية واستولى عليها ، وكان الحاكم بالروم يومئذ معين الدين سليمان البرواناه وكان يكاتب الملك الظاهر في الباطن ، وكان يظن الملك الظاهر أنه إذا وصل إلى قيسارية يصل إليه البرواناه على ما كان اتفق معه في الباطن ، فلم يحضر البرواناه لما أراده الله من هلاكه على ما نذكره إن شاء الله تعالى. ودخل الملك الظاهر قيسارية سابع عشر ذي القعدة بعد أن حاصر أهلها ، وأرسلوا إليه يطلبون الأمان فأرسل لهم الأمان على يد الأمير بيسري فسلموا المدينة ، وكان دخوله إلى المدينة يوما مشهودا ، فنزل بدار السلطنة وصلى بها الجمعة وخطب له بها وأقام عليها سبعة أيام ، ثم رحل عن قيسارية في الثاني والعشرين من ذي القعدة. وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاد القوت والعلف وعدمت غالب خيولهم ، ووصلوا إلى عمق حارم وأقاموا به شهرا ، ثم رحلوا وتوجهوا إلى دمشق وسارت بذلك البشائر إلى البلدان ففرح المؤمنون يومئذ بنصر الله.
ولما بلغ خبر هذه الوقعة أبغا بن هولاكو ساق في جموع المغول حتى وصل إلى البلستين وشاهد مكان المعركة وشاهد عسكره صرعى ولم يشاهد أحدا من عسكر الروم مقتولا ، فغاظه ذلك وأعظمه وحنق على البرواناه إذ لم يعلمه بجلية الحال ، وكان يظن أن أمر الظاهر دون هذا كله ، واشتد غضبه على أهل قيسارية وأهل تلك الناحية فقتل منهم قريبا