الأمراء كل واحد خمسين دينارا ، ثم أنفق على عسكر الشام الذي حضروا بصحبته فأعطى كل واحد منهم عشرة دنانير ذهبا وعشرة أرادب شعيرا وعشرة أرادب قمحا ، ثم أنفق على سائر الأمراء والمقدمين والطبلخاناه والعشروات لكل واحد منهم على قدر مقامه. وكان القائم في تدبير مملكته الأمير سلار نائب السلطنة والأتابكي بيبرس الجاشنكير.
ثم إن الملك الناصر قصد العود إلى محاربة قازان فبرز بخيامه في الريدانية وخرج من القاهرة ثانيا وكان صحبته الخليفة الإمام أحمد والقضاة الأربعة وسائر الأمراء والعساكر ، فلما أقام في الريدانية وجدّ في السير فتقدم في جاليش العسكر الأمير سلار نائب السلطنة والأتابكي بيبرس الجاشنكير ، فلما وصل الجاليش إلى دمشق تلقاهم الأمير قبجق وأظهر الطاعة للسلطان واجتمع بالأمراء وأشار عليهم بأن السلطان يرجع إلى القاهرة ولا يدخل دمشق وسيجيئه الأمر كما يختار ، فعند ذلك رجع السلطان إلى القاهرة ، وكان رجوعه إليها في ثامن عشر شهر رمضان من سنة تسع وتسعين وستمائة.
قال أبو الفداء : لما بلغ العساكر المصرية مسير قازان عن الشام خرجوا من مصر في العشر الأول من شهر رجب من هذه السنة وخرج السلطان إلى الصالحية ، ثم اتفق الحال على مقام السلطان بالديار المصرية ومسير سلار وبيبرس الجاشنكير بالعساكر إلى الشام ، فسار المذكوران بالعساكر ، وكان قبجق وبكتمر السلحدار والألبكي قد كاتبوا المسلمين في الباطن وصاروا إلى جهة ديار مصر ، وبلغ ذلك التتر المجردين بدمشق فخافوا وساروا من وقتهم إلى البلاد الشرقية وخلا الشام منهم ، ووصل قبجق والألبكي والسلحدار إلى الأبواب السلطانية فأحسن إليهم السلطان.
ووصل سلار وبيبرس الجاشنكير إلى دمشق وقررا أمور الشام ورتّبا في نيابة السلطنة بدمشق الأمير جمال الدين آقوش الأفرم على عادته ، ورتّبا قراسنقر في نيابة السلطنة بحلب بعد عزل سيف الدين بلبان الطباخي عنها وإعطائه إقطاعا بديار مصر. (ثم قال) : وسار قراسنقر إلى حلب ثم عاد سلار والجاشنكير بالعساكر إلى الديار المصرية.
قال ابن إياس : قال القاضي محيي الدين بن فضل الله : حكى لي الأمير قبجق بعد أن جرى ما جرى ورجع إلى القاهرة وتلاقى عسكر السلطان مع عسكر غازان فكاد غازان ينكسر وهمّ بالهرب ، فطلبني ليضرب عنقي لأني كنت السبب في مجيئه إلى دمشق ، فلما حضرت بين يديه قال لي : ما هذا الحال؟ فقلت : ما ثمّ إلا الخير والسلامة فأنا أخبر