ذكر وصفه لمدينة حلب
قال : وهي من أعز البلاد التي لا نظير لها في حسن الوضع وإتقان الترتيب واتساع الأسواق وانتظام بعضها ببعض ، وأسواقها مسقفة بالخشب فأهلها دائما في ظل ممدود ، وقيسارياتها لا تماثل حسنا وكبرا ، وهي تحيط بمسجدها ، وكل سماط منها محاذ لباب من أبواب المسجد ، ومسجدها الجامع من أجمل المساجد ، في صحنه بركة ماء ويطيف به بلاط عظيم الاتساع ، ومنبرها بديع العمل مرصّع بالعاج والآبنوس ، وبقرب جامعها مدرسة مناسبة له ، وبها مارستان. وأما خارج المدينة فهو بسيط أفيح عريض به المزارع العظيمة وشجرات الأعناب به منتظمة والبساتين على شاطىء نهرها وهو النهر الذي يمر بحماة ويسمى العاصي (هذا سهو منه) والنفس تجد في خارج مدينة حلب انشراحا وسرورا ونشاطا لا يكون في سواها ، وهي من المدن التي تصلح للخلافة. قال ابن جزي (جامع رحلة ابن بطوطة) أطنبت الشعراء في وصف محاسن حلب وذكر داخلها وخارجها ، وفيها يقول أبو عبادة البحتري (١) :
يا برق أسفر عن قويق فطرّتي |
|
حلب فأعلى القصر من بطياس |
عن منبت الورد المعصفر صبغه |
|
في كل ضاحية ومجنى الآس |
أرض إذا استوحشت ثم أتيتها |
|
حشدت عليّ فأكثرت إيناسي |
وقال فيها الشاعر المجيد أبو بكر الصنوبري :
سقى حلب المزن مغنى حلب |
|
فكم وصلت طربا بالطرب |
وكم مستطاب من العيش لذ |
|
بها إذ بها العيش لم يستطب |
إذا نشر الزهر أعلامه |
|
بها ومطارفه والعذب |
غدا وحواشيه من فضة |
|
تروق وأوساطه من ذهب |
وقال فيها أبو العلاء المعري (٢) :
حلب للولي جنة عدن |
|
وهي للغادرين نار سعير |
والعظيم العظيم يكبر في عينيه |
|
(منها) (٣) قدر الصغير الصغير |
__________________
(١) من قصيدة مطلعها : ناهيك من حرق ابيت اقاسي. وهي في ديوانه المطبوع في الجوائب صحيفة ٢٤٨.
(٢) من قصيدة في ديوانه سقط الزند مطلعها : ابق في نعمة بقاء الدهور
(٣) إضافة ليست في الأصل.