ابن الدقاق الدمشقي ناظر الوقف بحلب ، وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالجامع شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بالمكان المذكور رأس زكريا النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، فارتاب في ذلك فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهي عن ذلك ، فوجد بابا عليه تأزير رخام أبيض ووجد في ذلك تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة ، فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها ، ثم رد التابوت وعليه غطاؤه إلى موضعه وسدّ عليه الباب ووضعت خزانة المصحف العزيز على الباب ، وما أنجح الناظر المذكور بعد هذه الحركة وابتلي بالصرع إلى أن عض لسانه فقطعه ومات ، نسأل الله أن يلهمنا حسن الأدب اه.
أقول : المستفيض بين الناس والمشهور لديهم أن الموجود هنا هو رأس سيدنا زكريا عليهالسلام ، ويظهر أن هذه الاستفاضة مبنية على ما ذكره ابن الوردي هنا وعلى ما ذكره المرادي في ترجمة علي بن أسد الله مفتي حلب المتوفى سنة ١١٣٠ والمتولي على الجامع من أنه في أيام توليته ظهر من أحد الحيطان لما قشروا عنه الكلس رائحة تفوق المسلك والعنبر ، وإذا فيه صندوق من المرمر مكتوب عليه : هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام ، فاتخذوا له هناك في ناحية القبلة في حجرة قبرا في مكانه الآن وذلك سنة ١١٢٠.
وقد قدمنا في حوادث ٤٣٥ ظهور رأس سيدنا يحيى عليهالسلام في بعلبك ونقله إلى قلعة حلب ، وقدمنا في حوادث سنة ٦٥٩ نقل الرأس الشريف من القلعة إلى الجامع للحريق الذي حصل هناك ووضعه شرقي المحراب ، وهذا ما ذكره ابن الشحنة في الدر المنتخب نقلا عن ابن العظيمي ونقلا عن الكمال بن العديم عن أبي بكر الهروي السائح ، ونقله ياقوت في معجمه في الكلام على حلب وابن شداد في كتاب الأعلاق الخطيرة ، ولم ينقل خلاف من أحد منهم في هذا ، وأقرّهم ابن الشحنة على ذلك وهو من أهل القرن التاسع وأبو اليمن البتروتي الذي قدمنا أن الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة هو له وهو من أهل القرن الحادي عشر ، فهذه النقول أجدر بالقبول وأدعى أن نقول : إن الموجود هنا هو قطعة من رأس يحيى عليهالسلام وأن ابن الوردي والمرادي قد سها قلمهما وحاد عن منهج الصواب.