وشاعت الأخبار وانتشرت البشائر في الأقطار بعافيته فأنست القلوب بعد الاستيحاش وابتهجت النفوس بعد القلق والانزعاج وتزايدت العافية وصرفت الهمم إلى مكاتبات المقدمين بالعود إلى جهات الأعداء.
وكان نصرة الدين قد ولي مدينة حران وما أضيف إليها وتوجه نحوها ، ولما تناصرت الأخبار بالبشائر إلى أسد الدين بدمشق بعافية نور الدين واعتزامه على استدعاء العساكر الإسلامية للجهاد سارع بالنهوض من دمشق إلى حلب ووصل إليها في خيله فاجتمع بنور الدين فأكرم لقياه وشكر مسعاه ، وشرعوا في حماية الأعمال من شر من جاورهم من الأعداء اه.
قال في الزبد والضرب : لما أذن نصرة الدين محمد بن زنكي للشيعة أن يزيدوا في الأذان حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر على عادتهم من قبل مالوا إليه لذلك وثارت فتنة بين السنة والشيعة ، ونهبت الشيعة مدرسة ابن أبي عصرون وغيرها من آدر أهل السنة ، ثم ترجح نور الدين إلى الصلاح فذهب أمير أميران محمد بن زنكي إلى حران فملكها.
قال الصاحب كمال الدين : وسير نور الدين إلى قاضي حلب جدي أبي الفضل هبة الله بن أبي جرادة وكان يلي بها القضاء والخطابة والإمامة وقال له : تمضي إلى الجامع وتصلي بالناس ويعاد الأذان على ما كان عليه ، فنزل جدي وجلس شمالية الجامع تحت المنارة واستدعى المؤذنين وأمرهم بالأذان المشروع على رأي أبي حنيفة ، فخافوا ، فقال لهم : ها أنا أسفل منكم ولي أسوة بكم ، فصعد المؤذنون وشرعوا في الأذان ، فاجتمع تحت المنارة من عوام الشيعة خلق كثير فقام القاضي إليهم وقال : يا أصحابنا وفقكم الله تعالى ، من كان على طهارة فليدخل وليصل ومن كان محدثا فليجدد وضوءه ويصل ، فإن المولى نور الدين بحمد الله تعالى في عافية وقد تقدم بما يفعل فانصرفوا راشدين. فانصرفوا وقالوا : أيش نقول لقاضينا ، ونزل المؤذنون وصلى بالناس وسكنت الفتنة اه.
أقول : ذكر ابن الأثير خبر مرض العادل نور الدين في حلب ومجيء أسد الدين شيركوه إليه من دمشق في حوادث سنة ٥٥٤ ، والأصح أن ذلك كان في سنة ٥٥٢ كما قدمناه نقلا عن الروضتين ، وقد مرض العادل نور الدين في سنة ٥٥٤ أيضا كما سيأتي