عند انتهاء الخبر إليه بتجمع أحزاب الفرنج وقصدهم لها وطمعهم بحكم ما حدث من الزلازل والرجفات المتتابعة لها وما هدمت من الحصون والقلاع والمنازل في أعمالها وثغورها لحمايتها والذب عنها وإيناس من سلم من أهل حمص وشيزر وكفر طاب وحماة وغيرها ، بحيث اجتمع إليهم العدد الكثير والجم الغفير من رجال المعاقل والأعمال والتركمان ، وخيم بهم بإزاء جمع الفرنج بالقرب من أنطاكية وحصرهم بحيث لم يقدر فارس منهم على الإقدام على الفساد.
فلما مضت أيام من شهر رمضان عرض لنور الدين ابتداء مرض حاد ، فلما اشتد به وخاف منه على نفسه استدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران محمد وأسد الدين شيركوه وأعيان الأمراء والمقدمين وأوحى إليهم بما اقتضاه رأيه واستصوبه ، وقرر معهم كون أخيه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده والساد لثلمة فقده لاشتهاره بالشهامة وشدة البأس يكون مقيما بحلب ويكون أسد الدين في دمشق لحفظ أعمالها من فساد الفرنج.
وتواصلت الأراجيف بنور الدين فقلقت النفوس وأزعجت القلوب فتفرقت جموع المسلمين واضطربت الأعمال وطمع الإفرنج فقصدوا مدينة شيزر وهجموها وحصلوا فيها فقتلوا وأسروا ونهبوا ، وتجمع من عدة جهات خلق كثير من رجال الإسماعيلية وغيرهم وظهروا عليهم فقتلوا منهم وأخرجوهم من شيزر.
واتفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب وعصى عليه فثارت أحداث حلب وقالوا : هذا صاحبنا وملكنا بعد أخيه ، فزحفوا في السلاح إلى باب البلد وكسروا أغلاقه ودخل نصرة الدين في أصحابه وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد.
واقترحوا على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم في التأذين بحي على خير العمل ومحمد وعلي خير البشر ، فأجابهم إلى ما رغبوا فيه وأحسن القول لهم والوعد ، ونزل في داره وأنفذ والي القلعة إليه وإلى الحلبيين يقول : مولانا نور الدين حي في نفسه وما كان إلى ما فعل حاجة ، فقيل الذنب في ذلك للوالي. وصعد إلى القلعة من شاهد نور الدين حيا يفهم ما يقول وما يقال له ، فانكر ما جرى وقال : أنا أصفح للأحداث عن هذا الخطل ولا أؤاخذهم بالزلل وما طلبوا إلا صلاح حال أخي وولي عهدي من بعدي.