إلى نيابة دمشق عوضا عن أيتميش وتوجّه في حركة بيبغا أروس إلى ملاقاة العساكر المصرية ، وعاد مع طاز وسنجر إلى حلب وراء بيبغا أروس فاستمر في نيابة حلب ثانيا وحصر بيبغا أروس وحبسه بالقلعة وكان آخر العهد به ، وحصر أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس وقراجا بن دلغادر ، وعمر مارستانه بحلب داخل باب قنسرين ووقف عليه قرية بنّش العظمى من الغربيات ، ثم طلب إلى مصر أميرا مقدما ، ثم جهز إلى الإسكندرية مقبوضا عليه ، ثم أفرج عنه وتوجه إلى القدس الشريف وكانت به وفاته رحمهالله اه.
أقول : تدخل إلى هذا البيمارستان فتجد عن يسارك حجرة هي الآن خربة ، ثم تدخل الباب الثاني فتجد عن يمينك حجرة أخرى ، كانت هاتان الحجرتان لقعود الأطباء ووضع ما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة ، ثم تجد صحنا واسعا يحيط بطرفه القبلي والشمالي رواقان ضيقان مرفوعان على أعمدة عظيمة ووراءهما حجر صغيرة هي محل حبس المجانين فيها ، ثم تدخل من الجهة الشمالية في دهليز ، وبعد خطوات تجد دهليزين الذي عن اليمين يأخذك إلى باب آخر للمارستان تخرج منه إلى بوابة صغيرة وهو مغلق الآن ، والدهليز الذي عن اليسار يأخذك إلى صحنين حولهما حجر صغيرة وهي معدة أيضا لحبس المجانين ، وهناك تأخذك الخشية ويداخل قلبك الروع للظلمة المخيمة على هذه الأمكنة ولا منافذ لها وروائح العفونة والأقذار منتشرة فيها ، وإنا لنعجب كيف كانوا يحبسون المجانين فيها ، ولو قعد العاقل هناك بضع ساعات لذهب منه عقله وصار في عداد المجانين.
وقد بلغنا أنه كان في أطراف الصحن الخارجي وعلى أطراف الحوض الذي في وسطه توضع أنواع الرياحين ليناظرها المجانين ، وكانوا يأتون بآلات الطرب وبالمغنين فيداوون المجانين بها أيضا. وكان أمره جاريا على الانتظام إلى أواخر القرن العاشر ومن ذلك الحين أهمل أمره وزالت تلك الأوضاع منه.
وكان بلاط الصحن متوهنا جدا فاهتم جميل باشا سنة ١٣٠٢ في تبليطه وتجديد حوضه وترميمه داخلا وخارجا ، وكان يسكن في إيوانه الغربي رجل يقال له أبو حيدر هو وعائلته فكانوا يحافظون هؤلاء المجانين ويطعمونهم ويسقونهم ويرفعون الأقذار من عندهم ، ومنذ نحو عشر سنوات أو أزيد بقليل أخذ من كان فيه من المجانين وكانوا قدر عشرين