لذلك ورحل من جانب النهر إلى الجانب الآخر فلم ينزل معه من الجانب الآخر من العساكر إلا القليل وطلبوا قدام ، وتمت الحيلة على الناصري ، وركب صاحب سيواس ومنطاش ومن معهما من التتر في نحو عشرين ألفا فثبت الناصري بمن معه وكانوا دون الألف وقاتلهم ونصر الله الناصري وكسر صاحب سيواس ، فهرب هو ومنطاش إلى المدينة وقتل الناصري منهم نحو الألف وأسر مثل ذلك وعاد.
قال ابن خلدون : كان منطاش هذا وتمرتاي الدمرداشي الذي مرّ ذكره أخوين لتمراز الناصري من موالي الملك الناصر محمد بن قلاون وربيا في كفالة أمهما ، وكان اسم تمرتاي محمدا وهو الأكبر واسم منطاش أحمد وهو الأصغر ، واتصل تمرتاي بالسلطان الأشرف وترقى في دولته في الوظائف إلى أن ولي حلب سنة ثمانين وكانت واقعته مع التركمان ، وذلك أنه وفد عليه أمراؤهم فقبض عليهم لما كان من عيثهم في النواحي ، واجتمعوا فسار إليهم وأمده السلطان بعساكر الشام وحماة وانهزموا أمامهم إلى الدربند ، ثم كروا على العساكر فهزموها ونهبوها في المضايق. وتوفي تمرتاي سنة اثنتين وثمانين ، وكان السلطان الظاهر برقوق يرعى لهما هذا الولاء فولى منطاش على ملطية ، ولما قعد على الكرسي واستبد بالسلطان بدت من منطاش علامات الخلاف فهم به ثم راجع ووفد وتنصل للسلطان. وكان (سودون باق) من أمراء الألوف خالصة للسلطان ومن أهل عصبية ، وكان من قبل ذلك في جملة الأمير تمرتاي ، فرعى لمنطاش حق أخيه وشفع له عند السلطان وكفل حسن الطاعة منه وأنه يخرج على التركمان المخالفين ويحسم علل فسادهم ، وانطلق إلى قاعدة عمله بملطية ، ثم لم تزل آثار العصيان بادية عليه وبما داخل أمراء التركمان في ذلك ، ونمي الخبر إلى السلطان فطوى له وشعر هو بذلك فراسل صاحب سيواس قاعدة بلاد الروم وبها قاض مستبد على صبي من أعقاب بني أرشي ملوكها من عهد هولاكو وقد اعصوصب عليه بقية من أحياء التتر الذين كانوا حاميته هناك مع الشحنة فيها كما نذكره ، ولما وصلت رسل منطاش وكتبه إلى هذا القاضي بادر بإجابته وبعث رسلا وفدا من أصحابه في إتمام الحديث معه ، فخرج منطاش إلى لقائهم واستخلف على ملطية دواداره وكان مغفلا ، فخشي مغبة ما يرومه صاحبه من الانتقاض فلاذ بالطاعة وتبرأ من منطاش وأقام دعوة السلطان بالبلد ، وبلغ الخبر إلى منطاش فاضطرب ثم استمر وسار مع وفد القاضي إلى سيواس ، فلما قدم عليه وقد انقطع الحبل في يده أعرض عنه وصار إلى مغالطة السلطان عمّا أتاه من مداخلة منطاش ،