زماننا وعالمنا قد اختل عقلي ١ وهو معذور ، فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في هذا المقام ، ووقع في نفس عبد الجبار مثل ذلك ، وألقى تيمور لنك سمعه وبصره إلى ، وقال لي عبد الجبار يسخر من كلامي : كيف سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكيف أجاب؟ قلت : (جاء أعرابي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : يا رسول الله إن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه ، فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليهالسلام : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ومن قاتل منا ومنكم لإعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور لنك : خوب ، وقال عبد الجبار : ما أحسن ما قلت ، وانفتح باب المؤانسة. وقال تيمور لنك :
إني رجل نصف آدمي ، وقد أخذت بلاد كذا وكذا ، وعدّد سائر ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر ، فقلت : اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا ، فقال : والله إني لم أقتل أحدا قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب ، وو الله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم.
وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منّا وطمع كل أحد من الفقهاء والحاضرين وجعل يبادر إلى الجواب ويظنه أنه في المدرسة والقاضي شرف الدين ينهاهم ويقول لهم : اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول : وآخر سؤال سأل عنه : ما تقولون في علي ومعاوية ويزيد؟ فأسرّ إلي القاضي شرف الدين وكان إلى جانبي أن اعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي ، فلم أفرغ من سماع كلامه إلا وقد قال القاضي علم الدين ابن القفصي الصيفي المالكي كلاما معناه أن الكل مجتهدون ، فغضب تيمور لنك لذلك غضبا شديدا وقال : علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق ، وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزيدون قتلوا الحسين ، فأخذت في ملاطفته بالاعتذار عن المالكي بأنه أجاب بشيء وجده في كتاب لا يعرف معناه ، فعاد إلى دون ما كان عليه من البسط ، وأخذ عبد الجبار يسأل مني ومن شرف الدين فقال عني : هذا عالم مليح ، وعن شرف الدين هذا رجل فصيح ، فسألني تيمور لنك عن عمري فقلت : مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين سنة ، وقال للقاضي شرف الدين : كم عمرك؟ قال : أنا أكبر منه بسنة ، فقال تيمور لنك : أنتم في عمر أولادي ، أنا عمري اليوم خمسا وسبعين سنة.
وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمّنا عبد الجبار وصلى تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ، ثم تفرقنا.
__________________
١ ـ في الأصل : عقله ، وفي روض المناظر : عقلي.