الإنشا (١) فصولا مهمة بيّن فيها الأثمان المتعامل بها ومقدار الرطل والكيل المستعمل في هذا العصر في مصر ودمشق وحلب وغير ذلك ، فأحببنا إثبات تلك الفصول في تاريخنا وأن لا يكون خاليا منها لعلمنا أن كثيرا من النفوس تتطلع إلى معرفة ذلك فنقول :
قال في الجزء الرابع منه في الكلام على نيابة حلب : أما الأثمان المتعامل بها من الدنانير والدراهم والصنجة فعلى ما تقدم في دمشق من غير فرق (سيأتيك بيان ذلك) ولم ترج الفلوس الجدد فيها إلى الآن وإنما يتعامل فيها بالفلوس القديمة.
ورطلها سبعمائة وعشرون درهما (٢) وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ستون درهما ، وفي أعمالها ربما زاد الرطل على ذلك.
وتعتبر مكيلاتها بالمكوك في حاضرتها وسائر أعمالها ، والمكوك المعتبر في حاضرتها سبع ويبات بالكيل المصري (سيأتي بيان ذلك).
وأما في نواحيها وبلادها فيختلف اختلافا متباينا في الزيادة والنقص. قال في مسالك الأبصار : والمعتدل منها أن يكون كل مكوكين ونصف غرارة وما بين ذلك كل ذلك تقريبا.
__________________
(١) طبع في مصر سنة ١٣٣٢ في ١٤ مجلدا وهو كتاب جليل في صناعة الإنشا والتاريخ وترتيب الممالك في ذلك العصر إلى غير ذلك من الفوائد.
(٢) أقول : وفي أوائل القرن السابع كان الرطل بهذا المقدار ففي تاريخ ابن شداد في الكلام على بناء القلعة. وفي السنة الرابعة والعشرين وستمائة مهدت أرض الخندق الملاصق للقلعة فوجد فيها تسعة عشر لبنة ذهبا إبريزا كان وزنها تسعة وعشرين رطلا بالحلبي والرطل سبعمائة وعشرون درهما اه.
وقد هجر التعامل بالرطل الذي يزن هذا المقدار ، ولا أدري متى هجر ، غير أن النيل الهندي لا زال يباع بالرطل الذي يزن ٧٢٠ درهما إلى زمننا هذا ، وعند باعة النيل أرطال بهذا الوزن ولا يوجد صنف من أصناف البضائع يباع بهذا الرطل غيره فهو الباقي من ذلك العصر إلى وقتنا هذا ، إلا أن باعة هذا الصنف اصطلحوا الآن على أن كل عشرة أرطال من الرطل المسمى بالعتيق الذي يزن ثمانمائة درهم بأحد عشر رطلا ، فعلى هذا صار رطل النيل ٧٢٨ درهما وهو اصطلاح حديث مضى عليه سنون قلائل.