ويحفظها ، وسار إلى حمص ففعل مثل ذلك ثم إلى حماة ثم إلى بعرين ، وكان شديد الحذر على سائر البلاد من الفرنج ، ثم أتى مدينة حلب فرأى فيها من آثار الزلزلة ما ليس بغيرها من البلاد ، فإنها كانت قد أتت عليها وبلغ الرعب ممن نجا كل مبلغ ، وكانوا لا يقدرون يأوون مساكنهم خوفا من الزلزلة ، فأقام بظاهرها وباشر عمارتها بنفسه ، فلم يزل كذلك حتى أحكم أسوار البلاد وجوامعها. وأما بلاد الفرنج فإن الزلازل أيضا عملت بها كذلك فاشتغلوا بعمارة بلادهم خوفا من نور الدين عليها فاشتغل كل واحد منهم بعمارة بلاده خوفا من الآخر اه.
قال في الروضتين : قال العماد : في هذه السنة عند وصولنا إلى حلب في الخدمة النورية كنت مقرظا للفضائل الشهرزورية ، وكان الحاكم بها القاضي محيي الدين أبا حامد محمد بن قاضي قضاة الشام كمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري ، وكان كمال الدين قد علق به تنفيذ الأحكام وإليه أمور الديوان ، وهو ذو المكانة والإمكان في بسط العدل والإحسان ، ومحيي الدين ولده ينوب عنه في القضاء بحلب وبلدانها وينظر أيضا في أمور ديوانها ، وبحماة وحمص من بني الشهرزوري قاضيان وهما حاكمان متحكمان ، وكان هذا محيي الدين من أهل الفضل وله نظم ونثر وخطب وشعر ، وكانت معرفتي به في أيام التفقه ببغداد في المدرسة النظامية منذ سنة خمس وثلاثين والمدرس شيخنا معين الدين سعيد بن الرزاز ، وكان مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه بعلمه معلما مذهب الطراز ، وكانت الزلزلة بحلب قد خربت دار محيي الدين وسلبت قراره وغلبت اصطباره وحلبت أفكاره ، فكتب إليه قصيدة مطلعها :
لو كان من شكوى الصبابة مشكيا |
|
لعدا على عدوى الصبابة معديا |
مات الرجاء فإن أردت حياته |
|
ونشوره فارج الإمام المحييا |
أقضى القضاة محمد بن محمد |
|
من لست منه للفضائل محصيا |
قاض به قضت المظالم نحبها |
|
وغدا على آثارهن معفيا |
يا كاشفا للحق في أيامه |
|
غررا يدوم لها الزمان مغطيا |
لم تنعش الشهباء عند عتارها |
|
لو لم تجدك لطود حلمك مرسيا |
رجفت لسطوتك التي أرسلتها |
|
نحو الطغاة لحد عزمك ممهيا |
وتظلمت من شرهم فتململت |
|
عجل إجازتها عليها مبقيا |