يحثونه على السرعة إليهم ليسلموا البلد إليه وأشاروا بترك سنجار ، فلم يقبل منهم ، وقام حتى ملك سنجار وسلمها إلى ابن أخيه الأكبر عماد الدين زنكي ، ثم سار إلى الموصل فأتى مدينة بلد وعبر دجلة في مخاضة عندها إلى الجانب الشرقي ، وسار فنزل شرقي الموصل على حصن نينوى ودجلة بينه وبين الموصل. إلى أن قال : وحصر نور الدين الموصل فلم يكن بينهم قتال ، وكان هوى كل من بالموصل من جندي وعامي معه لحسن سيرته وعدله ، وكاتبه الأمراء يعلمونه على الوثوب على عبد المسيح وتسليم البلد إليه ، فلما علم عبد المسيح ذلك راسله في تسليم البلد إليه وتقريره على سيف الدين ويطلب الأمان وإقطاعا يكون له ، فأجابه إلى ذلك وقال : لا سبيل إلى إبقائه بالموصل بل يكون عندي بالشام ، فإني لم آت لآخذ البلاد من أولادي وإنما جئت لأخلص الناس منك وأتولى أنا تربية أولادي فاستقرت القاعدة على ذلك وسلمت الموصل إليه ، فدخلها ثالث عشر جمادى الأولى وسكن القلعة وأقر سيف الدين غازي على الموصل وولى بقلعتها خادما يقال له سعد الدين كمشتكين وجعله دزدارا فيها ، وقسم جميع ما خلفه أخوه قطب الدين بين أولاده بمقتضى الفريضة. ولما كان يحاصر الموصل جاءته خلعة من الخليفة فلبسها ، فلما دخل الموصل خلعها على سيف الدين وأطلق المكوس جميعها من الموصل وسائر ما فتحه من البلاد وأمر ببناء الجامع النوري بالموصل ، فبني وأقيمت الصلاة فيه سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
وأقام بالموصل نحو عشرين يوما وسار إلى الشام فقيل له : إنك تحب الموصل والمقام بها ونراك أسرعت العود ، فقال : قد تغير قلبي فيها فإن لم أفارقها ظلمت ، ويمنعني أيضا أنني هاهنا لا أكون مرابطا للعدو وملازما للجهاد. ثم أقطع نصيبين والخابور العساكر وأقطع جزيرة ابن عمر سيف الدين غازي ابن أخيه مع الموصل وعاد إلى الشام ومعه عبد المسيح فغير اسمه وسماه عبد الله وأقطعه إقطاعا كثيرا.
ثم ساق في الروضتين ما ذكره العماد الكاتب في ملك نور الدين للموصل إلى أن قال : لما دخل الموصل جدد مناشير أهل المناصب وتوقيعات ذوي المراتب من القضاء والنقابة ، وغيرهما ، وأمر بإسقاط جميع المكوس والضرائب وأنشأ بذلك منشورا يقرأ على الناس فمنه :
قد قنعنا من كنز الأموال باليسير من الحلال ، فسحقا للسحت ، ومحقا للحرام الحقيق بالمقت ، وبعدا لما يبعد من رضى الرب ويقصي من محل القرب ، وقد استخرنا الله