فسار نور الدين نحوه فابتدأ بكيسون وبهسنى ومرعش ومرزبان فملكها وما بينها من الحصون ، وسير طائفة من عسكره إلى سيواس فملكوها ، وكان قلج أرسلان لما بلغه قصد نور الدين بلاده قد سار من أطرافها التي تلي الشام إلى وسطها خوفا وفرقا وراسل نور الدين يستعطفه ويسأله الصلح والصفح عنه فتوقف نور الدين عن قصده رجاء أن ينصلح الأمر بغير حرب ، فأتاه من الفرنج ما أزعجه فأجابه إلى الصلح ، وكان في جملة رسالة نور الدين إليه : أنني أريد منك أمورا وقواعد ومهما تركت منها فلا أترك ثلاثة أشياء : أحدها أن تجدد إسلامك على يد رسولي حتى يحل لي إقرارك على بلاد الإسلام فإني لا أعتقدك مؤمنا ، وكان قلج أرسلان يتهم باعتقاد الفلاسفة. والثاني إذا طلبت عسكرك للغزاة تسيره فإنك قد ملكت طرفا كبيرا من بلاد الإسلام وتركت الروم وجهادهم وهادنتهم ، فإما أن تكون تنجدني بعسكرك لأقاتل بهم الفرنج وإما أن تجاهد من يجاورك من الروم وتبذل الوسع والجهد في جهادهم. والثالث أن تزوج ابنتك لسيف الدين غازي ولد أخي. وذكر أمورا غيرها. فلما سمع قلج أرسلان الرسالة قال : ما قصد نور الدين إلا الشناعة علي بالزندقة وقد أجبته إلى ما طلب ، أنا أجدد إسلامي على يد رسوله. واستقر الصلح وعاد نور الدين وترك عسكره في سيواس مع فخر الدين عبد المسيح في خدمة ذي النون ، فبقي العسكر بها إلى أن مات نور الدين فرحل العسكر عنها وعاد قلج أرسلان ملكها اه.
وقال في الروضتين قبل ذلك : وكتب العماد وهو بمرعش مع نور الدين إلى صديق له بدمشق وكان سافر عنها مع نور الدين في أطيب فصولها وهو زمن المشمش :
كتابي فديتك من مرعش |
|
وخوف نوائبها مرعشي |
وما مر في طرقها مبصر |
|
صحيح النواظر إلا غشي |
وما حل في أرضها آمن |
|
من الضيم والضر إلا خشي |
ترنحني نشوات الغرام |
|
كأني من كأسه منتشي |
أسر وأعلن برح الجوى |
|
فقلبي يسر ودمعي يشي |
بذلت لكم مهجتي رشوة |
|
فحاكم حبكم مرتشي |
وكيف يلذ الكرى مغرم |
|
بنار الغرام حشاه حشي |
بمرعش أبغي وبلوطها |
|
مضاهاة جلّق والمشمش |