فانهزموا فحقق ما كان وهما ، فسار على وجهه لا يلوي على شيء ، وتبعهم السلطان فهلك منهم جماعة قتلا وغرقا وأسر جماعة كثيرة من وجوههم وأمرائهم ، ثم رجع وأمر أصحابه برفع السيف على الناس وترك التعرض لمن وجد منهم بقتل أو نهب وفرق ما وجد في خزائن سيف الدين وسير جواريه وحظاياه إلى حلب وأرسل إليه بالأقفاص وقال له : عد إلى اللعب بهذه الطيور فإنها ألذ من مقاساة الحرب. ووجد السلطان عسكر الموصل كالحانة من كثرة الخمور والبرابط والعيدان والجنوك والمغنين والمغنيات. قال : واشتهر أنه كان مع سيف الدين أكثر من مائة مغنية وأن السلطان أرى ذلك لعساكره واستعاذ من هذه البلية ، وكان أنفذ الأمراء الذين أسرهم إلى حماة ثم ردهم وخلع عليهم وأرسلهم إلى حلب.
ثم قال : قال ابن أبي طي : وأما سيف الدين فإنه امتدت به الهزيمة إلى بزاعة فأقام بها حتى تلاحق به من سلم من أصحابه ، ثم خرج منها حتى قطع الفرات وصار إلى الموصل وصار باقي عسكر حلب إلى حلب في سابع شوال (تقدم عن ابن شداد أن الوقعة كانت في عاشر شوال فلعله كانت في ثالثه ووصول المنهزمين إلى حلب في سابعه وما في ابن شداد سهو من النساخ) في أقبح حال وأسوئه عراة حفاة فقراء يتلاومون على نقض الأيمان والعهود ، وخاف أهل حلب من قصد السلطان لهم فأخذوا في الاستعداد للحصار ، وجاء السلطان وخيم عليها أياما ثم قال : الرأي أن نقصد ما حولها من الحصون والمعاقل والقلاع فنفتحها فإنا إذا فعلنا ذلك ضعفت حلب وهان أمرها ، فصوبوا رأيه فنزلوا على بزاعة فتسلمها بالأمان وولاها عز الدين خشترين الكردي ، وكان ذلك في الثاني والعشرين من شوال ، ثم فتح منبج في التاسع والعشرين منه ، وكان فيها الأمير قطب الدين ينال بن حسان والسلطان لا ينال به إحسان بل كان في جر عسكر الموصل إليه أقوى سبب ولا يماذقه ولا يحفظ معه شرط أدب ويواجهه بما يكره ، فسلم القلعة بما فيها وقوم ما كان سلمه بثلثمائة ألف دينار منها عين ونقود ومصوغ ومطبوع ومصنوع ومنسوج وغلات. وسامه على أن يخدم فأبى وأنف وكبرت نفسه فتعب سره وذهب ما جمعه ، ومضى إلى صاحب الموصل فأقطعه الرقة فبقي فيها إلى أن أخذها السلطان منه مرة ثانية في سنة ثمان وسبعين.
ثم قال : قال ابن أبي طي : لما ملك السلطان منبج وتسلم الحصن صعد إليه وجلس يستعرض أموال ابن حسان وذخائره فكان في جملة أمواله ثلثمائة ألف دينار ومن الفضة والآنية الذهبية والأسلحة والذخائر ما يناهز ألفي ألف دينار ، فحان من السلطان التفاتة