الطيور فهي سليمة لا توقعك في مثل هذا المحذور. وقال : ولما كسر القوم ولوا مدبرين إلى حلب فلم يقف بعضهم على بعض وظنوا أن العساكر وراءهم ركضا وراء ركض ، فتبعجت خيولهم وتموجت سيولهم وما صدقوا كيف يصلون إلى حلب ويغلقون أبوابها ويسكنون اضطرابها. وأما سيف الدين فإنه ركض في يومه من تل السلطان إلى بزاعة وجاوز في سوقه الاستطاعة وفرق وفارق الجماعة اه.
وقال ابن الأثير في حوادث هذه السنة في أثناء الكلام على هذه الوقعة : سار صلاح الدين من دمشق إلى ناحية حلب ليلقى سيف الدين فالتقى العسكران بتل السلطان وكان سيف الدين قد سبقه ، فلما وصل صلاح الدين كان وصوله العصر وقد تعب هو وأصحابه وعطشوا فألقوا نفوسهم إلى الأرض ليس فيهم حركة. فأشار على سيف الدين جماعة بقتالهم وهم على هذا الحال ، فقال زلفندار : ما بنا هذه الحاجة إلى قتال هذا الخارجي في هذه الساعة ، غدا بكرة نأخذهم كلهم ، فترك القتال إلى الغد ، فلما أصبحوا اصطفوا للقتال فجعل زلفندار وهو المدبر للعسكر السيفي أعلامهم في وهدة من الأرض لا يراها إلا من هو بالقرب منها ، فلما لم يرها الناس ظنوا أن السلطان قد انهزم فلم يثبتوا وانهزموا لم يلو أخ على أخيه ولم يقتل بين الفريقين مع كثرتهم غير رجل واحد. ووصل سيف الدين إلى حلب فنزل وترك بها أخاه عز الدين مسعودا في جمع من العسكر ولم يقم هو وعبر الفرات وسار إلى الموصل وهو لا يصدق أنه ينجو. (ثم قال) : وقد ذكر العماد الكاتب في كتاب البرق الشامي في تاريخ الدولة الصلاحية أن سيف الدين كان عسكره في هذه الوقعة عشرين ألف فارس ، ولم يكن كذلك إنما كان على التحقيق يزيدون على ستة آلاف فارس أقل من خمسمائة ، فإنني وقفت على جريدة العرض وترتيب العساكر للمصاف ميمنة وميسرة وقلبا وجاليشية وغير ذلك ، وكان المتولي لذلك والكاتب له أخي مجد الدين أبا السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم رحمهالله ، وإنما قصد العماد أن يعظم أمر صاحبه بأنه هزم بستة آلاف عشرين ألفا والحق أحق أن يتبع ، ثم يا ليت شعري كم هي الموصل وأعمالها إلى الفرات حتى يكون لها وفيها عشرون ألف فارس اه.
أقول : وفي قوله إنه لم يقتل سوى رجل واحد نظر لما سيأتيك عن ابن أبي طي.
وقال في الروضتين : قال ابن أبي طي في وصف هذه الوقعة : إن ميسرة سيف الدين انكسرت فتحرك إلى جانبها ليكون ردأ لها ومددا ، فظن باقي العسكر أنه قد انهزم