الحرب في ذلك اليوم وخاف الناس على السلطان واضطرب العسكر وخاف الناس بعضهم من بعض ، فألجأت الحال إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس فركب حتى سكن العسكر وعاد إلى خيمته وأخذ في قتال عزاز فقاتلها مدة ثمانية وثلاثين يوما حتى عجز من كان فيها وسألوا الأمان ، فتسلمها حادي عشر ذي الحجة وصعد إليها وأصلح ما تهدم منها ، ثم أقطعها لابن أخيه تقي الدين عمر. وكانت عزاز أولا للجفنية غلام نور الدين ، فلما ملك السلطان منبج أخذها منه الملك الصالح وقواها لعله يحفظها من الملك الناصر فلم يبلغ ذلك ، ولما فرغ السلطان من أمر عزاز حقد على من بحلب لما فعلوه من أمر الحشيشية ، فسار حتى نزل على حلب خامس عشر ذي الحجة وضربت خيمته على رأس الياروقية فوق جبل جوشن (هي قرية الأنصاري) وجبى أموالها وأقطع ضياعها وضيق على أهلها ولم يفسح لعسكره في مقاتلتها بل كان يمنع أن يدخل إليها شيء أو يخرج منها أحد ، وكان سعد الدين كمشتكين في حارم وكانت إقطاعه في يد نوابه وكان انتزعها من يد أولاد الداية بعد أن عصى نائبها. وكان سبب خروجه إليها أن السلطان لما نزل على أعزاز خاف كمشتكين أن ينتقل منها إلى حارم فخرج إليها ، فلما نزل السلطان على حلب ندم كمشتكين على كونه خارجا في حارم وخاف أن يجري بين السلطان وبين الأمراء الحلبيين صلح فلا يكون فيه ذكر ولا اسم ، فراسل السلطان يتلطف معه الحال ويقول لو فسح لي في الدخول إلى حلب لسارعت في الخدمة وأصلحت الأمر على ما يرومه السلطان. وراسل أيضا الملك الصالح والأمراء بحلب يقول لهم : قد حصلت خارجا وقد بلغني أمور ولا بد من طلبي من الملك الناصر ليأذن لي في الصيرورة إليكم فإن الذي قد حصل عندي لا يمكنني الكلام فيه ، فراسل الملك الصالح في الإذن له في الدخول إلى حلب فأذنوا له وطلبوا الرهائن منه ، فأنفذ السلطان إليهم رهينة شمس الدين بن أبي المضاء الخطيب والعماد كاتب الإنشاء ، وأنفذوا من حلب إلى السلطان رهينة نصر الدين بن زنكي. وحكى العماد الكاتب ، قال : لما حصلنا داخل حلب أخذنا برأي العدل ابن العجمي وجعلنا في بيت ومنع منا غلماننا ولم يحضر لنا طعام ولا مصباح وبتنا في أنكد عيش ، وفي تلك الليلة دخل كمشتكين إلى حلب ، فلما أصبحوا أحضرت أنا وابن أبي المضاء إلى مجلس الملك الصالح وكان عنده ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود وجماعة من أرباب الدولة وكان صاحب الكلام العدل ابن العجمي فأخذ يتحدث بلثغته ويترجم بلكنته ويضرب صفحا عني ويوهم الجماعة أني وأني.