والحزّة القطعة اليسيرة من اللحم. قال القرطبيّ (١) : وقال بعضهم : الغرفة بالكفّ الواحد ، والغرفة بالكفين.
وقال المبرّد «غرفة» بالفتح مصدر يقع على قليل ما في يده وكثيره وبالضّمّ اسم ملء الكف ، أو ما اغترف به ، فحيث جعلتهما مصدرا ، فالمفعول محذوف تقديره : إلّا من اغترف ماء ، وحيث جعلتهما بمعنى المفعول كان مفعولا به ، فلا يحتاج إلى تقديره مفعول ونقل عن أبي علي أنّه كان يرجّح قراءة الضّمّ ؛ لأنّه في قراءة الفتح يجعلها مصدرا ، والمصدر لا يوافق الفعل في بنائه ، إنّما جاء على حذف الزوائد وجعلها بمعنى المفعول لا يحوج إلى ذلك فكان أرجح.
قوله : «بيده» يجوز أن يتعلّق ب «اغترف» وهو الظّاهر. ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه نعت ل «غرفة» ، وهذا على قولنا : بأن «غرفة» ، بمعنى المفعول أظهر منه على قولنا : بأنها مصدر ، فإنّ الظّاهر من الباء على هذا أن تكون ظرفيّة ، أي : غرفة كائنة في يده.
فصل
قال ابن عباس : كانت الغرفة تشرب منها هو ، ودوابّه ، وخدمه ، ويحمل منها (٢). قال ابن الخطيب (٣) : وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّه كان مأذونا له أن يأخذ من الماء ما شاء مرّة واحدة بغرفة واحدة بحيث كان المأخوذ من المرّة الواحدة يكفيه ، ودوابّه ، وخدمه ، ويحمل باقيه.
والثاني : أنّه كان يأخذ القليل فيجعل الله فيه البركة حتّى يكفي كلّ هؤلاء ؛ فتكون معجزة لنبيّ ذلك الزّمان كما أنّه تعالى كان يروي الخلق العظيم من الماء القليل في زمن محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.
فصل
قال القرطبي (٤) : قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) يدلّ على أنّ الماء طعام ، فإذا كان طعاما ، كان قوتا للأبدان به ، فوجب أن يجري فيه الرّبا.
قال ابن العربيّ وهو الصّحيح من المذهب ، وروى أبو عمر عن مالك قال : لا بأس ببيع الماء بالماء متفاضلا ، وإلى أجل ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف وقال محمّد بن الحسن : هو ممّا يكال ويوزن فعلى هذا لا يجوز عنده التفاضل.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٦٥.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن بمعناه كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٤)
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٥٤.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٦٥.