الخامس : أن تكون الجملة صفة لقرية ، وهذا ليس بمرتضى عندهم ؛ لأنّ الواو لا تدخل بين الصفة والموصوف ، وإن كان الزمخشريّ قد أجاز ذلك في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] [فجعل : «ولها كتاب»] صفة ، قال : «وتوسّطت الواو ؛ إيذانا بإلصاق الصفة بالموصوف» وهذا مذهب سبقه إليه أبو الفتح ابن جنّي في بعض تصانيفه ، وفي ما تقدّم ، وكأنّ الذي سهّل ذلك تشبيه الجملة الواقعة صفة ، بالواقعة حالا ، لأنّ الحال صفة في المعنى ، ورتّب أبو البقاء (١) جعل هذه الجملة صفة لقرية ، على جواز جعل (عَلى عُرُوشِها) بدلا من «قرية» على إعادة حرف الجرّ ، ورتّب جعل (وَهِيَ خاوِيَةٌ) حالا من العروش ، أو من القرية ، أو من «ها» المضاف إليها ، على جعل (عَلى عُرُوشِها) صفة للقرية ، وهذا نصّه ، قد ذكرته ؛ ليتضح لك ، فإنه قال : وقد قيل : هو بدل من القرية تقديره : مرّ على قرية على عروشها ، أي : مرّ على عروش القرية ، وأعاد حرف الجرّ مع البدل ، ويجوز أن يكون (عَلى عُرُوشِها) على هذا القول صفة للقرية ، لا بدلا ، تقديره : على قرية ساقطة على عروشها ، فعلى هذا لا يجوز أن تكون (وَهِيَ خاوِيَةٌ) حالا من العروش وأن تكون حالا من القرية ؛ لأنها قد وصفت ، وأن تكون حالا من «ها» المضاف إليه ، وفي هذا البناء نظر لا يخفى.
قوله : (عَلى عُرُوشِها) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن يكون بدلا من «قرية» بإعادة العامل.
الثاني : أن يكون صفة ل «قرية» كما تقدّم فعلى الأول : يتعلّق ب «مرّ» ؛ لأنّ العامل في البدل العامل في المبدل منه ، وعلى الثاني : يتعلّق بمحذوف ، أي : ساقطة على عروشها.
الثالث : أن يتعلّق بنفس خاوية ، إذا فسّرنا «خاوية» بمعنى متهدّمة ساقطة.
الرابع : أن يتعلّق بمحذوف يدلّ عليه المعنى ، وذلك المحذوف قالوا : هو لفظ «ثابتة» ؛ لأنهم فسّروا «خاوية» بمعنى : خالية من أهلها ثابتة على عروشها ، وبيوتها قائمة لم تتهدّم ، وهذا حذف من غير دليل ، ولا يتبادر إليه الذهن ، وقيل : «على» بمعنى «مع» ، أي : مع عروشها ، قالوا : وعلى هذا فالمراد بالعروش الأبنية.
وقيل : «على» بمعنى «عن» أي : خاوية عن عروشها ، جعل «على» بمعنى «عن» كقوله : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) [المطففين : ٢] أي : عنهم (٢).
والخاوي : الخالي. يقال : خوت الدار تخوي خواء بالمد ، وخويّا ، وخويت ـ أيضا ـ بكسر العين تخوى خوّى بالقصر ، وخويا ، والخوى : الجوع ؛ لخلوّ البطن من الزّاد. والخويّ على فعيل : البطن السّهل من الأرض ، وخوّى البعير : جافى جنبه عن الأرض ؛ قال القائل في ذلك : [الرجز]
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) سقط في ب.