والثاني : أنه لا يوجد في الدّنيا امرأة تكون حائضا نصف عمرها ، لأن ما مضى من عمرها قبل البلوغ هو من عمرها.
والجواب عن الأول : أنّ الشّطر هو النّصف ، يقال : شطرت الشّيء أي جعلته نصفين ، ويقال في المثل : «احلب حلبا لك شطره» (١) أي نصفه.
وعن الثاني : أن قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «تمكث إحداكنّ شطر عمرها لا تصلّي» (٢) إنّما يتناول زمانا هي تصلّي فيه ، وذلك لا يتناول إلا زمان البلوغ.
واحتجّ أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة بوجوه :
الأول : ما روى أبو أمامة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة أيّام» (٣) فإن صحّ هذا الحديث ، فلا معدل عنه لأحد.
الثاني : روي عن أنس بن مالك ، وعثمان بن أبي العاص الثّقفيّ أنهما قالا : «الحيض ثلاثة أيّام ، وأربعة أيّام إلى عشرة أيّام ، وما زاد فهو استحاضة» (٤) وهذا قول صحابي لم يخالفه أحد ، فكان إجماعا ، ولأنّه إذا ورد قول عن صحابي فيما لا سبيل للعقل إليه ، فالظّاهر أنّه سمع من النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
الثالث : قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لحمنة بنت جحش : «تحيضي في علم الله ستّا ، أو سبعا ، كما تحيض النّساء في كلّ شهر» (٥) فقوله : «كما تحيض النّساء في كلّ شهر» مقتضاه أن يكون حيض النّساء في كلّ شهر هذا القدر ، خالفنا هذا الظّاهر في الثّلاثة إلى العشرة ، فيبقى ما عداه على الأصل.
الرابع : قول عليه الصّلاة والسّلام : «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لعقول
__________________
(١) ينظر : اللسان (شطر).
(٢) أورده بهذا اللفظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (١٦٤) وقال : لا أصل له بهذا اللفظ.
وأورده القاري في «الأسرار المرفوعة» (٣٧٨) وقال قال ابن منده لا يثبت وقال ابن الجوزي : لا يعرف وقال النووي : باطل وقال البيهقي : تطلبته فلم أجد له إسنادا.
(٣) أخرجه الدارقطني (١ / ٢١٩) والطبراني في «الكبير» (٨ / ١٥٢) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤) والخطيب (٩ / ٢٠) من طريق مكحول عن أبي أمامة.
قال الدارقطني : عبد الملك رجل مجهول والعلاء بن كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا.
وعزاه الهيثمي في «المجمع» (١ / ٢٨٥) للطبراني في «الأوسط» وقال : وفيه عبد الملك الكوفي عن العلاء بن كثير لا ندري من هو.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٧.
(٥) أخرجه أبو داود (٢٨٧) والترمذي (١ / ٢٢١ ـ ٢٢٥) وابن ماجه (٦٢٧) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠) والحاكم (١ / ١٧٢) والبيهقي (١ / ٣٣٨) وأحمد (٦ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، ٤٣٩ ، ٤٣٩ ـ ٤٤٠). وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.